28‏/02‏/2016

إدريس لشكر مصر على الانتحار بمقصلة "البام"

حينما بدأت بوادر بركان أو زلزال تحول مشروع الهمة لكل الديمقراطيين الى حزب الدولة. كان الزعيم ادريس لشكر سباقا الى نحت عبارة"الوافد الجديد" على المشروع وصاحبه"عالي الهمة" بل وانبرى لمعارضته جهارا.
اليوم تغيرت الأوضاع وصار التنسيق مع هذا الحزب بل والتحالف في أفق الإنتخابات المقبلة ربما لتشكيل الحكومة المقبلة وقبلها تخفيض العتبة ونيل رضى "الدولة العميقة". من الأجندة المستعجلة للسيد لشكر حتى يزف الحزب الى مصيره المجهول.
.. لشكر كان يعارض مشروع الهمة وهو وحزبه في الحكومة بمعنى انه يتوفر على كافة المعلومات الكافية حول أهداف مشروع الهمة ومراميه. واليوم جاء ليقول لنا ان التنسيق والتحالف معه أولى من الكتلة الديمقراطية وأحزابها.
اليوم الإتحاد الإشتراكي في المعارضة وراكم في الفترة السابقة تنسيقا على مستوى البرلمان مع فريق الاصالة والمعاصرة وحزبه الى جانب الاستقلال والاتحاد الدستوري. وحزبي الاتحاد والإستقلال لم يستفيدا سياسيا من هذا التنسيق الغريب الذي توج برسالة الى الملك تطلب منه منع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران من استغلال المؤسسة الملكية سياسيا على غرار مع يفعل مع الدين بوصف الملك رمزا من الرموز الوطنية التي لا ينبغي استغلالها سياسيا.
ورغم هذه المناورات دفع الاتحاد الإشتراكي الثمن غاليا على واجهتين:
- المس بمصداقية حزب القوات الشعبية بعد ان تحول الى تابع لحزب قادم من الادارة والدولة العميقة التكنوقراطية.
- خسارة الانتخابات الجماعية التي احتل فيها الاتحاد مراتب متأخرة وبدا ضعيفا مفككا ، وحتى أطره الكبرى كفتح الله ولعلو وغيره لم يترشحوا ولم يشاركوا في الحملة الانتخابية. وهناك فروع قاطعت الانتخابات من خلال تقديم ترشيحات رمزية.
والغريب ان قيادة الاتحاد لم تستوعب الدرس جيدا. ولم تنظر لحجم الخسارة بشكل موضوعي. وحولت الهزيمة الى انتصارات وهمية كمعركة استرداد إعلام الحزب من عبد الهادي خيرات، ولم تنظر جيدا الى الإنشقاقات الافقية والعمودية والعنقودية التي أصابت الاتحاد في مقتل وشلت تنظيماته والتي امتدت زوبعتها الى الفريق النيابي والنقابة والشبيبة وكل المنظمات الموازية. واحتفال عبد الرحمان بذكرى رحيل المهدي بنبركة درس آخر لم تستوعبه القيادة الحالية للإتحاد، وكان ضربة مؤلمة للشكر وصحبه.
ورغم اقرار قياديين في الاتحاد بهذه الحقائق والوقائع وزكاها محللون سياسيون ورصدها الاعلام المستقل او الحر بالتفصيل الممل، فان القيادة الحالية ربما تسبح خارج التاريخ.
ومن هذه الحقائق الصادمة التي صارت بديهية في العلوم السياسية، أن البام لم يكن مشروعه هو مواجهة الاسلاميين فقط، فهذه المهمة دئب اليسار على القيام بها في المجتمع من خلال الفصائل العاملة في الجامعة والمجتمع المدني. والاتحاد الاشتراكي في القلب منه.
فالبام أسس خطابه ولا يزال على ان الاحزاب الوطنية الديمقراطية قد انتهىت. وان هذه الاحزاب ماتت ولا بد من دفنها في تقاطب سياسي جديد له رأسان: 
- رأس حداثي يقوده البام ويضم رفات الاحزاب الوطنية والديمقراطية او ما يسمى أحزاب الحركة الوطنية. وقطع غيار من الاحزاب الادارية.
- ورأس يقوده اسلاميو العدالة والتنمية.
وبالتالي فالاحزاب الوطنية الديمقراطية قد انتهى دورها وشرعيتها التاريخية المتآكلة لا تشفع لها بحضور بقارع الاسلاميين ويحقق أهداف الدولة العميقة التي كما يقول ذ. حسن اوريد تتبنى الخيار الحداثي الديمقراطي الذي يعارضه الإسلاميون.
فأحزاب الحركة الوطنية كانت تبني مشرعيتها على الصراع مع المؤسسة الملكية وهذا لم يعد قائما اليوم حسب البام. وبالتالي انتهت هذه المشروعية عمليا.
ان البام يتوفر على القناعة التامة بأن الملكية نفسها لم تعد مستعدة للمواجهة مع الاحزاب الوطنية والخطر اليوم هو مشروع الإسلام السياسي الظلامي. وهذه هي العقيدة المرجعية التي أسس عليها البام مشروعه. أما تقريري الخمسينية وهيئة الإنصاف والمصالحة فلم تكن إلا توابل لإقناع الرأي العام بان رد فعل المجتمع حيالهما يبين ان الدولة في حاجة الى حركة سياسية لخلق نقاش عمومي حولهما وتنفيذ توصياتهما الهامة. 
فماذا سيجني الاتحاد من علاقته الملتبسة مع البام غير الخيبات أمام الإختلاف الأيديولوجي والسياسي للمشروعين السياسيين. اليس مثل هذه العلاقة ما يبرر ما يذهب اليه المحلل السياسي محمد الساسي بأن حزب الانحاد الاشتراكي لم يعد حزبا مستقل القرار. ودليل ذلك هو واقعة ترتبط بكون لشكر هدد في وقت سابق بالتحالف مع العدالة والتنمية حينما كان عبد الواحد الراضي على راس الحزب فتم ادخاله الى حكومة عباس الفاسي وزيرا مكلفا بالعلاقات مع البرلمان قبيل الانتخابات السابقة لاوانها فبلع لسانه. وعاد الى الصف السياسي لعبد الواحد الراضي. وظل لشكر لشهور قليلة في الحكومة كالبهلوان يسخر منه الإعلام الوطني من انقلابه على نفسه. 
لهذا يمكن القول ان المستفيد سياسيا من الاجتماع غير المسبوق بين المكتبين السياسيين لحزبي البام والاتحاد هو البام. وهو تدعيم لشرعية أمينه العام الجديد الياس العمري.
ففي عز الكتلة الديمقراطية لم تجتمع مكاتبها السياسية الا نادرا، ومثل هذه الاجتماعات لا يتم الا في اللحظات التي تباشر فيها الاحزاب عمليات اندماجية وهذا حسب علمنا ليس من أجندة الاتحاد الاشتراكي مع الاصالة والمعاصرة.
والإتحاد يصر على انتحاره لأن اللقاء جاء بطلب منه تحت مبرر عرض مذكرته حول مشاريع القوانين المؤطة للإنتخابت التشريعية القادمة. فالحزب الذي صار حزبا صغيرا يلهث وراء تخفيض العتبة الإنتخابية الى 3 في المئة بدل ستة، وحاول ان يجند البام لهذا المطلب. لكنه خسر المعركة لكون وزارة الداخلية هي من اقترحت تخفيض العتبة. 
لذلك يمكن القول أن الإتحاد الإشتراكي مصر على الإنتحار بمقصلة حزب الأصالة والمعاصرة لأن من اهداف البام القضاء على الإتحاد الإشتراكي. 
والأيام بيننا.

اسماعيل طاهري
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: إدريس لشكر مصر على الانتحار بمقصلة "البام" Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top