03‏/06‏/2013

مستهلكون يبحثون المصير المجهول لمنطقة خليج طنجة ..

                         
لقد انشغل الرأي المحلي بطنجة في المدة الأخيرة إل
ى حد الانزعاج بموضوع مصير أرض بحيرة مالباطا التي كانت مخصصة لاستقبال المهرجان الدولي طنجة 2012 بعد أن قرر المجلس الإقليمي لعمالة طنجة أصيلة وللضرورة حسب تقديره، تفويت ذلك العقار المكون من 30 هكتارا إلى صندوق الإيداع والتدبير من أجل إقامة مشاريعه العقارية المربحة مقابل تسديد المبلغ المالي الخاص بالتعويض عن نزع الملكية لفائدة الملاكين الخواص المتضررين. وكان المجلس قد لجأ سنة 2008 إلى سلك مسطرة نزع الملكية من الخواص دون أن تتوفر لديه الإمكانات التي تسمح له بتعويض الغير، ولعل التصور الذي كان قائما هو أن تعوض قيمة تلك الأراضي من الميزانية المخصصة لتسويق مشروع المهرجان الدولي، ولكن ذلك لم يتحقق لأن القائمين على الحملة الدعائية للمهرجان لم يكن يهمهم إلا التسويق الآني لمشروعهم الذي باء بالفشل بعد استنزاف ميزانية ضخمة تم حرقها في الهواء دون أن يعرف مصيرها إلى الأن، لأن الجهة المسؤولة عن تدبير الملف المالي والتقني للمهرجان لاذت بالصمت بعد ذلك، وانسحبت في هدوء ومعها التفاصيل والأسرار الخاصة بالأغلفة المالية الضخمة التي رصدت لطنجة في إطار ما سمي بمهرجان طنجة 2012 وبرامج تأهيل المدينة خلال الفترة الممتدة من 2005 إلى 2013 والتي تقدر بمئات الملايير، وهو المبلغ الذي لم تحظ طنجة بمجموعه على امتداد تاريخها الحديث في عهد الاستقلال.

لكن الحصيلة ظلت هزيلة ومخيبة للآمال، مقارنة مع حجم الإنفاق والتكلفة المادية والمعنوية، .. فلو كان المسؤولون يحترمون أنفسهم أمام الرأي العام المحلي والدولي، لجعلوا من أولوياتهم تصفية اقتناء العقار المذكور بدون قيد ولا شرط ، والعمل على إتمام المشاريع التي تقرر إنجازها في إطار الالتزام الدولي ، ولكن تبين أنه قد اكتفي بالضحك على الأذقان، وإطلاق الفرقعات النارية التي تبخرت معها كل الوعود المحملة بالأحلام الوردية.
محمد منصور

كما أن المجلس الجماعي ممثلا في عمدته آنذاك، كان هو المسؤول الأول عن المشروع، لكنه ظل يعيش على الهامش وينفذ الأوامر، واكتفى بالقيام بدورالعبد المطيع دون أن يطالب بحقه في ممارسة اختصاصاته وإخضاع المشروع لآليات المراقبة والمحاسبة القبلية والبعدية ، ونفس الأمر ينسحب على المجلس الإقليمي لعمالة طنجة أصيلة الذي أقحم في هذا الملف، وفرض عليه إعارة فمه ليؤكل به الثوم نيابة عن مجلس المدينة وعمدته الناطق الرسمي باسم المهرجان وخيباته ..

فإذا كان الموضوع قد أعيد طرحه من جديد بهذه الطريقة المواربة، فتبادر بعض الأطراف لتدلي بدلوها قصد نزع الفتيل وإيجاد حل يحفظ ماء وجه المدينة من خلال الإبقاء على المشروع والاحتفاظ بالمنطقة ومكوناتها لتشكل فضاء عموميا ومتنفسا لساكنة المدينة المحاصرة، نجد أن التوجه الغالب لدى أصحاب القرار هو الخضوع لشهوة (سيديجي) وإرضاء رغباتها في التوسع بعد أن أتلفت ودمرت وأفسدت منطقة الغندوري (الغابوية، الشاطئية،الأثرية) ..حيث يجري الحديث الآن عن إمكانية إجراء قسمة ضيزى بين المجلس الإقليمي وهذه المؤسسة، على أن تقوم هذه الأخيرة بإنجاز بعض المرافق العمومية التي كانت مقررة فوق العقار المذكور، مقابل احتفاظها بحيز من البقعة الأرضية من أجل استثمارها على هواها وفق النموذج السيئ الذي أبان عن نفسه في كل من منطقة الغندوري ووادي مدينة الفنيدق الذي تم طمره من أجل إقامة مشروع عقاري فوق مجراه الطبيعي تحت غطاء محاربة التلوث والحفاظ على االبيئة. و لعل المشكل أعمق من ذلك بكثير لأن المنطقة قد استنزفت بما فيه الكفاية بعد القضاء على معالمها الطبيعية التي لن تعوض أبدا . فقد تم تدمير الملك الغابوي بغابة السانية على مساحة تتجاوز 100هكتار من أجل إقامة المشاريع السكنية، كما تمت التضحية سابقا بقلعة غيلان التي أدمجت ضمن أملاك إحدى المؤسسات البنكية المرخص لها أخيرا بإقامة مسبح خصوصي فوق أنقاض الموقع الأثري . وكذلك شاطئ مالباطا الذي قضي عليه بالكامل ليتحول إلى ساحل صخري غير صالح للسباحة ، ولا آمن من أخطار التلوث والغرق، حيث شهدت السنوات الأخيرة ارتفاع معدل حوادث الغرق داخل محيطه .. وها هو مرصد حماية البيئة يدخل على الخط من أجل طرح إشكالية هذا العقار والدعوة إلى تحريره لفائدة مستقبل المدينة والسكان، فيقترح مخططا بديلا قابلا للتطبيق مقارنة مع التصميم الهندسي الذي وضع سنة 2008 ، ....

وفي نفس السياق فإن رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين لا يسعها إلا أن تثمن موقف المجتمع المدني الرافض لهذا المخطط الذي يستهدف الحقوق الطبيعية والبيئية لمدينة طنجة ، مع التذكير بمواقفها السابقة ومطالبها بهذا الشأن خلال العشر سنوات الأخيرة . فما من مناسبة، إلا كانت تدق ناقوص الخطر، و تطالب الجهات المعنية بأن تتحلى بالتبصر وبعد النظر ويقظة الضمير للحفاظ على المؤهلات الطبيعية للمنطقة، إلا أن التجاهل والصمم ظلا سيدا الموقف، واستمرت الهجمة الشرسة على المحيط البيئي والجغرافي للمدينة، إلى أن وصل الأمر إلى ما هو عليه من التردي وانسداد الآفاق واستنزاف كل الإمكانيات .. فالمرصد في تصوره يعتبر البحيرة الصناعية والمرافق التابعة لها من الثوابت الرئيسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وهو عين الصواب والمنطق التاريخي ، وذلك لأن هذه البحيرة يجب أن تعود إلى وضعها الطبيعي قبل أن يتم طمرها بالردم والأتربة، وهي تشكل جوهر المشروع ذاته الذي انطلقت أشغاله في بداية السبعينات في إطار ما عرف بمشروع شركة تجهيز خليج طنجة، ثم توقفت. ونظرا للتحولات التي تشهدها منطقة خليج طنجة منذ انطلاق الأشغال المتعلقة بإعادة هيكلة ميناء المدينة ، فإن الإبقاء على مشروع البحيرة وتوسيعها وتشجير محيطها يعد ضرورة بيئية ملحة لحماية الساحل الشرقي للخليج من عوامل التعرية التي أصبحت تدمر أركانه وتساهم في تغيير معالمه الطبيعية وذلك بالإبقاء عليها كنمنفذ طبيعي لامتصاص قوة المد البحري .. لأن قوة المد البحري قد ساهمت مؤخرا في الرفع من مستوى علو الموج والكتل البحرية على الواجهة الشرقية للشاطئ منذ انطلاق الأشغال بالميناء ، حتي أصبحت مياه البحر تهجم على الأرصفة وتصل إلى عمق الطريق الرئيسي عندما يكون البحر هائجا ، كما قضي على الشاطئ الرملي الذي كان ممتدا في السابق على عرض 400 متر فأكثر و مغطى بكثبان الرمال الذهبية الصافية، بل حتى الملاعب الرياضية التي أقيمت خطأ وظلما فوق شاطئ ملاباطا لم تعد في مأمن من اكتساح الأمواج لفضاءاتها محملة بالمواد الصخرية والرمال المشبعة بالحجارة. والمؤسف هو أن المشرفين على مشروع تأهيل الميناء ظلوا يعدون طنجة بمستقبل زاهر ويدعون أن التصميم المخصص لميناء طنجة في قالبه الترفيهي والسياحي سيساهم في توسعة الشاطئ والزيادة في مساحته .

.. والأشد مرارة وهولا ، هو أن خليج طنجة الذي كان مضرب المثل في الجمال الطبيعي قبل بداية السبعينات، قد تحول إلى مستنقع آسن تفوح منه الروائح الكريهة ، كما قضي على شاطئه بالتمام بسبب الأخطاء القاتلة الناتجة عن إطلاق المشاريع العشوائية التي لا تضع أي اعتبار للجانب السياحي والبيئي ، ولا زالت الأطماع تتربص بالجزء المتبقى في عدة نقط. فكل المشاريع التي أطلقت في السنوات الأخيرة كان لها تأثير سيئ على البيئة بالخليج ومحيطه، كما أن التجهيزات والمباني المقامة فوق سطح الأمواج لن تكون مستقبلا في مأمن من غضبة البحر. ولقد سبق الدرس التاريخي الذي تلقته منطقة ماربيل التي أصبحت خبرا بعد عين ، وكذلك فنادق المنطقة(مالباطا، وطارق) التي أعيد تأهيلها وإنقاذها، بعد أن اضطرت الجهات المعنية لطرح مشروع نصب المصدات البحرية والحواجز الصخرية المكلفة دون أن يكون لها المفعول السحري المتوخى منها لحماية الشاطئ من التآكل، وكانت الحصيلة هي التشوه الذي يطبع واجهة الخليج، والذي لا يضاهيه تشوه آخر في بيئات مماثلة بسبب جهل القائمين على تدبير شؤون المدينة، والتدخل المفرط للسلطات الإدارية التي أصرت على لي عنق القانون والضرب بكل المبادئ المتعلقة بحماية الحقوق البيئية والتاريخية لهذه المنطقة .

والمطلب الآخر الذي ورد في مقترح مرصد حماية البيئة والمباني التاريخية ، هو إدماج مشروع البحيرة الصناعية ضمن محيطه الذي يشمل عدة فضاءات أخرى لا يمكن السكوت عنها، ونخص بالذكر فيلا هاريس التي تتعرض للإهمال المقصود والتدمير الممنهج أمام مرأى ومسمع من المسؤولين، وكذلك قلعة غيلان، وغابة طنجة البالية التي أصبحت مستهدفة أيضا بإقامة مشاريع لا زالت تختمر إلى الوقت المناسب.

فلا أهمية لخليج طنجة دون إحياء الدور التاريخي والطبيعي للمواقع المشار إليها ضمن نسيج معماري يستجيب للمعايير الدولية طبقا لما كان يتم الترويج له أيام الحملة الدعائية لمهرجان طنجة 2012 ، والتي كانت تعد بتحويل طنجة إلى جنة فوق البحر ، واستقطاب 6 ملايين سائح ، .. والغريب أن يتم التسويق لمشاريع موهومة يستند في إثبات مصداقيتها إلى تأشيرة مكاتب دراسات تدعي عدم وجود أي تأثير على البيئة ، علما أن التجارب المرة المثقلة بالفشل الذريع في تدبير الشأن العام بطنجة تؤكد أن ما ينقص الممارسة السياسية في تدبير الشأن المحلي هو قلة الحياء من النفس،ومن الله تعالى . وصدق رسول الله (ص) الصادق المصدوق الذي قال " إن لم تستح فافعل ما شئت .."" وإذا أسندت الأمور إلى غير أهلها فانتظر الساعة "

إن مطلب ساكنة طنجة ومحبيها في كل مكان من العالم واضح وصريح ، وهو المطالبة بكف اليد عنها ووقف الاعتداء الذي يطال معالمها الطبيعية والتاريخية والعمرانية، وعلى رأسها هذا الموقع المتميز الذي يجب أن يشكل الخط الأحمر الغير القابل للتجاوز، مع ضرورة استحضار الوضع المأساوي الذي ستؤول إليه طنجة في حالة استكمال مخطط التفويتات المشؤومة الذي تشير بوادره الأولى إلى حجم الجريمة التاريخية التي تتجلى في الأفق القريب والبعيد . وعليه فإن المخاطب الأول في هذا الملف سيظل هو المجلس الجماعي بطنجة، المسؤول الرئيسي بحكم القانون عن صيانة حقوقها وحفظ معالمها التاريخية والطبيعية، وحمايتها من كل اعتداء يطالها مهما كانت الدواعي واالمبررات، حيث يطلب منه والحالة هذه - بشراكة مع كل الأطراف المعنية بحماية الحق العام ورعاية المصلحة العامة- القبض بيد من حديد على هذا الموقع، وعدم الموافقة على تفويته، والعمل في المقابل على طرح مشروع بديل خاص تحت إشرافه في إطار الشراكة مع كل المتدخلين لإنقاذ هذا الموقع واستثماره بشكل إيجابي لفائدة المصلحة العامة لا غير، وأن يتم الكف نهائيا عن تضليل الرأي العام، وتبرير الموقف الهروبي المتستر خلف الكثير من الشبهات ..فالمسؤولية التاريخية تفرض على المجالس المنتخبة ، من مجلس المدينة، والمجلس الإقليمي، ومجلس الجهة، اتخاذ موقف موحد يصب في اتجاه البحث عن حل واحد هو إنقاذ ما تبقى من الملك العمومي المستنزف بطنجة وحمايته من براثين لوبي العقار، والعمل على إثرائه وتوسيعه ، واقتناء المزيد، بدلا من التضحية به على مذبح الاستثمار المخادع ، والزج به في متاهات العبث والمغامرة القاتلة. .

28 ماي 2013




المكتب المركزي لرابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: مستهلكون يبحثون المصير المجهول لمنطقة خليج طنجة .. Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top