05‏/10‏/2012

معن بشور: عبد الله الشرقاوي الصوفي التقدمي


رغم ان اللقاءات التي جمعتني بالصديق الراحل عبد الله الشرقاوي كانت محدودة، لكنها كانت كافية لكي اتعرّف من خلاله إلى شخصية تختزن في سلوكها وعلاقاتها تراثاً عريقاً، وخلقاً نبيلاً، وحيوية لا تضعف من توهجها السنون والعقود.
ففي قسمات وجهه المشرق، وقامته المديدة، وروحه المتوثبة كنت تقرأ تاريخ الحركة الوطنية المغربية منذ عهد المقاومة التي احتضنته شاباً في حزب الاستقلال برئاسة الراحل علاّل الفاسي، إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقيادة الشهيد المهدي بن بركة فالاتحاد الاشتراكي بقيادة الراحل عبد الرحيم بو عبيد، حيث كان مناضلاً لم يحن رأسه لقمع، ولم يساوم لحظة في قناعة، ولم يخن يوماً صديقاً أو رفيقاً، بل كان جسراً بين الرفاق حين تهدمت الجسور، وكان يتنقل بين الأصدقاء وشعاره الجميل: 'لن يفسد الخلاف للود قضية'.
لم يقده نجاحه في حياته العملية، وارتقائه في المراتب الاجتماعية والاقتصادية، إلى منزلقات الغرور والعنجهية والتنكر لماضيه وإخوانه، فتراه عاملاً في خدمة الجميع، دون منّة، ومندفعاً لاحتضان كل قضية محقة دون استعراض.
ورغم انه كان رجلاً منغمساً في العمل المهني كمهندس ناجح، لكنه كان أيضاً مسكوناً ومشغولاً بالأسئلة الفكرية الكبرى، فلم تجمعه مع المفكر العربي الكبير الراحل محمد عابد الجابري بعثة دراسية إلى سوريا في اواسط الخمسينات فقط، ولا النضال المشترك في صفوف الحركة الوطنية المغربية فحسب، بل جمعته أيضاً هموم الفكر العربي، وانشغالات العقل العربي، فكانت محاوراته معه بحضور عدد من إخوانه كمحمد نوبير الاموي ومحمد الصبري، وعبد القادر الحضري نموذجاً للتفاعل بين النضال والفكر، بين أسئلة الماضي وتحديات العصر، بين الانغماس في التراث والتطلع إلى الحداثة، فالشرقاوي المتحدّر من أسرة صوفية مغربية بارزة في المغرب كان منحازاً أيضاً إلى حركة التقدم والتحرر مدركاً عمق العلاقة بين العروبة والإسلام، والبعد القومي للصراع مع العدو كما البعد الإيماني.
لا أنساه، يوم عقدنا المؤتمر القومي العربي السادس عشر في الدار البيضاء عام 2006، كيف كان يتصل بصديقه خالد السفياني (الذي أنتخب أميناً عاما في ذاك المؤتمر) وعبد الإله المنصوري (وقد بات عضواً في أمانة المؤتمر أيضاً)، ليسألهما عن المشاركين ومواعيد وصولهم إلى المغرب ليخرج بسيارته لاستقبالهم تأكيداً على ضيافة مغربية أصيلة، وروح أخوية عالية.
ليس من السهل اليوم أن نذهب إلى المغرب فلا نرى فيه عبد الله الشرقاوي، بهمته وحيويته واندفاعه وشبابه الدائم رغم تجاوزه السبعين من العمر، كما لا نرى المناضل الكبير الراحل محمد البصري ، والمفكر الكبير الراحل محمد عابد الجابري...
أبو صلاح لن نقول وداعاً... بل إلى اللقاء.


' رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، الامين العام السابق للمؤتمر القومي العربي
عن القدس العربي
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: معن بشور: عبد الله الشرقاوي الصوفي التقدمي Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top