28‏/04‏/2012

لماذا لا تعتذر الدولة؟*


إسماعيل طاهري


إسماعيل طاهري

حسب توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة فالاغلب الاعم من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان تورطت فيها الدولة المغربية من سنة 1959 الى سنة 1999.
وبناء على هذه الخلاصة ذات الأهمية البالغة، طالبت توصية هيئة الإنصاف والمصالحة بتقديم الدولة المغربية للإعتذار العلني والصريح عما جرى من تجاوزات لحقوق الانسان.

وقد هلل لهذه التوصية وغيرها من التوصيات الشهيرة التي لم تجد طريقها التطبيق رغم مرور سنوات، قبل أن يأتي حراك 20 فبراير ليفرض إدخال تعديلات دستورية مكنت بعضا من هذه التوصيات من الدخول الى الوثيقة الدستورية.
والسؤال المطروح اليوم، هو لماذا سجل تاخر مقرف في تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة؟ ولماذا تاخر تقديم الاعتذار بهذا المعنى؟
خلال بداية حكومة عباس الفاسي فتح النقاش حول قضية الاعتذار ومن يقدمها؟ وإن كان الوزير الأول بامكانه دستوريا تقديم هذا الاعتذار باسم الدولة المغربية؟ وهو مسعى كانت تحبذه العديد من الأطراف الحقوقية والسياسية ولو في الكواليس، لتلافي إحراج الملك. لكن النقاش العمومي حول الدستور وحقوق الانسان حرف عن مساره بعد خروج وزير الداخلية فؤاد عالي الهمة رفقة العريس ورفاقه في مهمة "حركة لكل الديمقراطيين" وانشغل الرأي العام بأجندة جديدة، وكان النقاش يدور حول مرامي خلق "حزب الدولة". و"صديق المل" و"الفديك الجديد" وسيطرت اللقاءات التواصلية للهمة على مجل الإعلام الرسمي وكذا المستقل.
وفي هذا السياق فوجئ العام بتصريح حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، بان الدولة قدمت أكثر من الاعتذار. لكن لا احد صدق حرزني. حرزني فقط جزء لا يستهان به من مصداقيته رفقة جماعة "اليساريين الجدد" داخل جهاز الدولة.
لنكن واضحين مع أنفسنا، فعلى الفاعلين العمل من أجل خلق مناخ يسمح للمثل الأسمى للدولة بإعلان الإعتذار للضحايا وذوي الحقوق وباسم الدولة المغربية لجبر الضرر المعنوي على الأقل بعد التقدم الملموس على مستوى جبر الضرر المادي عبر تعويضات مالية لضحايا"سنوات الرصاص".
إن التماطل في تقديم الاعتذار لازال يثير الخوف في نفوس المغاربة من الاقتراب من السياسة والعمل السياسي.
وقبل فوات الاوان فالدولة مطالبة بالاعتذار الى الشعب عما ارتكبه قادة أجهزتها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في حق أبنائه خصوصا من المناضلين الشرفاء من أجل دمقرطة ودمقرطة المجتمع.
دعوة الضحايا الى الصفح من جانب واحد، لم يرافقه اعتذار الدولة، بوصفه ليس مطلبا للضحايا فقط، وإنما مطلب من مطالب لجنة ملكية رسميةللحقيقة إسمها: هيئة الإنصاف والمصالحة.
فالمقاربة المخزنية العتيقة لقضية الاعتذار ستعقد المسألة، وتعمق الجراح، وتزيد من الإحتقان الإجتماعي. وتنذر بالشر المستطير.
فنظرية كون المخزن لا يعتذر للرعايا يجب ان تنتهي من خلال امتلاك شجاعة التموقع في قلب التاريخ والتجاوب مع تطلعات الأجيال الجديدة التواقة الى التحرر والكرامة والإنعتلق من قيود"الأحكام السلطانية". فالإعتراف فضيلة والإعتذار هو مصدر قوة للدولة، وإن كان مصدر ضعف للمخزن، ونحن في حاجة الى تقوية الدولة على حساب المخزن لأن هذا هو منطق التاريخ و"الازمنة الحديثة" وهذا هو السبيل الوحيد لبناء دولة ديمقراطية حديثة في المغرب.
*افتتاحية جريدة فضاء البوغاز ع22شهر أبريل 2012


  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: لماذا لا تعتذر الدولة؟* Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top