الثلاثاء، 12 أغسطس 2025

مصطفى لمودن: هذه الصور تمثل حالة تثير الأسف.. سكان يجوبون الأفاق بحثا عن الماء..

 




هذه الصور تمثل حالة تثير الأسف..

سكان يجوبون الأفاق بحثا عن الماء..

عشت في طفولتي الأولى قبل  إتمام العقد الأولى مثل هذه الأجواء، وكنت بدوري أبحث عن الماء اعتمادا على حمارة (أتان) وجرتين من الطين، قبل ظهور قِرب من عجلات العربات..

لتعرف/ي مقدار الحاجة للماء، مرة أخذني أبي معه إلى حفلة عرس بقرية مجاورة، حيث مرر أحدهم سطلا به مقدار لترين من الماء، به وفيه يغسل جميع الضيوف أياديهم!

تكفي هذه الصورة لتتخيل باقي علاقة السكان بالماء.  مثلا عندما كانت أمي تغسل الخضر لتطبخها، تحتفظ بالماء المستعمل للكلاب والدجاج..

يستحيل في الصيف أن يستحم أحد، على الأقل ليس كل يوم كما يفعل كل محظوظ (ة) اليوم. إذا كان مرة بعد أسبوعين، فذلك حظ ذلك الزمن.

ورغم ذلك، كانت عيون الماء في سبعينيات القرن الماضي لا تنضب، تكفي رحلة كل يوم، لجلب القليل من الماء، وهو ما كنت أقوم به على بعد سبع كيلومترات! إلى أن تسبب حمار هائج في مطاردة حمارتي، وإصراره على فعلته، مما جعلها تسقط، وتتكسر الجرتان، فعدتُ بعنقيهما على شكل دملجين غليظين مربوطين بحبل.

في ذلك الوقت كان الماء أغلى شيء، بل أهم من الخبز وباقي المأكولات، يحرص الواحد على عدم إهراق قطرة منه إذا أفرغ في كأس ليشرب.

ها هي الظاهرة تعود من جديد إلى بعض المناطق، كالدواوير التي ينحدر منها من يظهرون على الصور..

صحيح أن الأوضاع تغيرت عن السابق، ووقع مد جميع القرى بأنابيب الماء، إما للتزود به جماعة من سقاية جماعية تُفتح في أوقات معينة، وبالمقابل طبعا، لكنه مقابل مقبول. أو بربط كل منزل بشبكة التوزيع... مما خلق أجواء الاستقرار والطمأنينة النسبية.. لكن مع توالي الجفاف وظروف الطقس القاسية، وكثرة الطلب على الماء، خلق الندرة، بل الانقطاع شبه التام، واستعمال الكوطا بين القرى، ورغم ذلك هناك من لا يصلهم نصيبهم من الماء..

كارثة! تصور نفسك مَن تسكن المدينة، ماذا سيحدث لو انقطع الماء عن منزلك يوما واحدا.

هناك الآن عمل جار لجلب الماء من بعيد، من أعالي الأطلس، ربما سيكفي ذلك، ويحل الأزمة بشكل نهائي..

هناك عملية التزويد  بواسطة  صهاريج متنقلة لانقاذ ما يمكن انقاذه. هناك توفير أبار بها ماء للماشية رغم ملوحته، هناك مجهود.  لكن الحاجة للماء تظل لحظية..

لو لم تهاجر أسرتي سنة 1974 إلى سهل الغرب حيث الماء كان وافرا بفضل سد القنصرة والأبار.. لكنتُ مع هؤلاء الباحثين عن قطرة ماء، ولا شك أن مِن ضمنهم معارف وبقايا الأهل هناك..

كان حادث تحطم الجرتين حاسما ليقرر أبي تغيير مكان الإقامة..

كل التضامن مع أي مواطن يحتاج الماء، عصب الحياة، وعلى مسؤوليتنا جميعا توفير ما يحتاجه رفقة أسرته ودوابه وماشيته ونباتاته.. لتستمر الحياة بسلاسة ذلك يهمنا جميعا.

بقلم: مصطفى لمودن
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: مصطفى لمودن: هذه الصور تمثل حالة تثير الأسف.. سكان يجوبون الأفاق بحثا عن الماء.. Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top