11‏/08‏/2023

بعد أن كتب خمسة وسبعين ألف صفحة بخط اليد رحل الروائي الألماني مارتن فالزر أسير كافكا وصائد الجوائز


توفي الروائي الألماني مارتن فالزر، أحد رموز الأدب المعاصر في بلاده عن 96 عاماً. وأشاد الرئيس الألماني بفالزر معرباً عن أسفه لفقدان رجل عظيم وأديب من مصاف كبار كتاب العالم. وكتب الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في تعازيه إلى أرملة الكاتب "نحن حزانى على مارتن فالزر لن ننساه" مضيفاً أن انتاجه يمتد إلى ستة عقود وقد طبع الأدب الألماني بشكل بارز خلال هذه الفترة.

يعدّ فالزر أحد أبرز الروائيين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية على غرار غونتر غراس وهاينريش بول، ولكن لم يحظ باهتمام القراء في العالم العربي.

كانت بدايات فالزر الأدبية محاولات متواضعة في كتابة الشعر، لكنه سرعان ما اتجه نحو السرد وكتابة القصة والرواية والمسرحيات. قال ذات مرة إن مصيره الأدبي قد تقرر بقراءته آثار كافكا. في عام 1946 قرأ قصص كافكا، ومنها قصة "الانمساخ"، فبات "أسيراً" لها. 

كانت محاولاته في القصة متأثرة بشكل كبير بأسلوب كافكا، فانهال عليه النقد اللاذع من زملائه أعضاء "جماعة 47" الأدبية. وكانت هذه المجموعة من أهم التيارات الأدبية في ألمانيا، وهو نفسه أحد أعضائها. سخرية الأدباء جعلته يبحث عن اسلوب جديد يتميز به عن الآخرين. هنا وجد فالزر أسلوبه في السرد الأدبي وبدأ في تصوير الحياة اليومية عند الناس العاديين في ألمانيا، لذلك أطلق عليه النقاد فيما بعد لقب "مؤرخ الحياة اليومية"..

 

في الفترة من 1949 حتى 1957 عمل فالزر مراسلاً صحافياً في إذاعة جنوب ألمانيا وسافر إلى العديد من البلدان، وكتب مسرحيات إذاعية. وانتمى فالزر في البداية إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لكنه سرعان ما انفصل عنه.

يوصف فالزر بأنه أكثر الروائيين الألمان إثارةً للجدل، وأكثرهم تعرضاً للحملات النقدية الساخرة واللاذعة، التي لم تسخر من أعماله الأدبية، بقدر سخريتها من آرائه السياسية. ولعل أشهر هذه الحملات هي تلك التي تعرّض لها العام 1998، بعد الخطاب الذي ألقاه بمناسبة حصوله على "جائزة السلام"، والذي تناول فيه ما وصفه بـ"العبء" الذي ورثته الأجيال الألمانية بسبب جرائم النازية، منتقداً التناول المستمر والمبالغ فيه لموضوع الهولوكوست، ومحذراً من استخدامه كـ"هراوة أخلاقية". أشد مقالات الاعتراض جاءت من الناقد مارسل - رايش رنيكي Marcel-Reich Ranicki ، الذي يُطلق عليه "بابا الأدب الألماني". وتلقى فالزر المقالة بمرارة وكان رده موضع جدل جديد! نشر فالزر رواية بعنوان "موت ناقد" تناول فيها سلطة النقد والإعلام في ألمانيا، وسخر من الذين انتقدوه، لاسيما رنيكه. واعتبرت "موت ناقد" تكريساً لنهج فالزر الأدبي الذي يعتمد، بالدرجة الأولى، على السيرة الذاتية، إذ يرى أن: الرواية التي تخلو من مشاهد السيرة الذاتية ليست رواية، وإنما هي بحث اجتماعي".


عام 2010  وفي مقابلة مع مجلة شبيغل الألمانية قال فالزر إنه شعر بأنه طرد من عالم الشعراء عندما وصف رنيكه روايته التي تحمل عنوان "في ما وراء الحب" بأنها "تافهة". وجاءت هذه المقابلة بمناسبة نشر مذكرات فالزر عن الفترة من عام 1974 حتى عام 1978. ومشيراً لهذه الواقعة التي كانت بداية الخصام بينه وبين الناقد الأدبي الذي ولد عام 1920 في أسرة يهودية في بولندا. قال فالزر: "لم أنس هذا الموقف الذي مارس فيه رنيكه نفوذه ضدي..". وقال إنه تملكه شعور آنذاك بأنه يريد أن يصفع مارسل رنيكه

لم يترك مارتن فالزر جائزة ألمانية رفيعة المستوى إلاّ وحصل عليها. قدم خلال ستة عقود إبداعاته. ومن أهم رواياته "زيجات في فيلبس بورغ" التي صدرت عندما كان في الثلاثين من عمره، ورواية "جواد هارب" التي اعتبرها معظم النقاد وقت صدورها (عام 1978) "لؤلؤة النثر الألماني". وفي روايته "دفاع عن الطفولة" التي صدرت في عام الوحدة الألمانية (1991) كان فالزر أول كاتب ألماني تناول موضوع وحدة الجمهورية روائياً. وقبل انتهاء القرن العشرين احتفى عديد من نقاد الأدب بروايته "نبع فوار" الصادرة عام1998. في عام 2005 صدرت يومياته في الفترة بين 1951 - 1962 في كتاب سماه فالزر "الكتاب والكتابة"، وهو عن مهنته ككاتب وسرّ الإبداع الأدبي عنده.

وسبق أن ابتاع "أرشيف الأدب الألماني" في مارباخ (مدينة فريدريش شيللر) تركة مارتن فالزر الأدبية، ويحتوي هذا التراث على خمسة وسبعين ألف صفحة مكتوبة بخط يد الكاتب، وهي مخطوطات ومسودات جميع كتبه (روايات وقصص ومسرحيات ومقالات) ومراسلاته كافة طوال حياته بينها خمس وسبعون دفتراً دوّن فيها يومياته يوماً بيوم منذ عام 1958.

ويضم تراث فالزر أيضاً صوراً ووسائط سمعية بصرية وملفات كمبيوتر. كما يضم كتب مكتبة فالزر المنزلية التي تحتوي على سبعة آلاف وثمانمائة كتاباً. وقالت مديرة الأرشيف إن "هذه الوثائق هي مرجع استثنائي للأدب ولتاريخ البلاد المعاصر" .

من أعمال فالزر المترجمة إلى العربية: "معركة منزلية"، ترجمة ابراهيم وطفي، 1994، "حياة فتاة أو القديسة" (الدار الاهلية)  و"جواد هارب" (منشورات الجمل، 2004)، و"رجل عاشق" (شرق غرب للنشر، 2008).


المدن

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: بعد أن كتب خمسة وسبعين ألف صفحة بخط اليد رحل الروائي الألماني مارتن فالزر أسير كافكا وصائد الجوائز Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top