 |
| الراحل محمد العسري في حديقة بطنجة |
مرت سنة على رحيل المناضل الكبير محمد العسري معتقل سياسي سابق وقيادي ميداني في منظمة العمل/الإشتراكي الموحدواطار نقابي في كدش لأكثر من 30 سنة...ومؤسس للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف.
توفي بسبب مباشر يتعلق بكوفيد19، لكنه كان يعاني من سلسلة من الأمراض الناتجة عن محنة اعتقاله وسجنه في السبعينيات عندنا كان ينشط في حركة 23 مارس السرية، فلم يتحمل جسمه العليل ضربات الكوفيد الذي انتقات عدواه اليه في مصحة دولية لامراض القلب بطنجة..
مرت سنة على رحيله ولم ترسل قيادة الإشتراكي برقية تعزية.، ولم ينظم رفاقه في طنجة أي حفل تأبين..كانت جنازته بسيطة وبالكاد تعرف نزر يسير من رفاقه على منزله بشارع فاس..
مرت سنة على رحيل أحد أكبر السباسيين المغاربة الذين ظلمهم المخزن وظلمهم رفاقهم المشغولين دائما بحلقياتهم وانشقاقاتهم واندماجاتهم التي لا تنتهي ووسط هذا الضجيج يمرض ويموت رفاق الرفاق ولا تهتم القيادة الا بتلميع كراسيها.
قبل شهور من رحيله كان العسري يقدم كتبه هدية للرفاق ومنها كتابه حول مشروعية مطالب حركة عشرين فبراير الذي رفض الناشر نشره بمقدمة للمعطي منجب خوفا من بطش النظام، بالإضافة الى كتاب دار بريشة وكتب أخرى..لم يرغب في أن تضيع أثناء موته وعندما استشعر دنو أجله طلب من الرفاق الإتصال به للحصول على نسخ من مؤلفاته.
رغم فارق السن بيني وبينة الرفيق العسري لأكثر من 20 سنة أصبح العسري صديقي ورفيقي عندما قدمت للعيش في طنجة بداية الألفية وخاض معي بجسارة مغامرة إصدار جريدة محلية (فضا، البوغاز)وهو الصحفي الألمعي (مراسل دائم لصحافة منظمة العمل) المتمكن من دروب اللغة العربية وشعابها، فكانت كتاباته مليئة بالطاقة وتستشرف المستقبل وكان دائما مصرا في كل ما تخطه يده على فضح كل مستور في نشاطه السياسي والصحفي والحقوقي، وهو المثقف العضوي الشامل الخبير بالشؤون الوطنية في كافة المجالات.
فعندما تفرغ للعمل الحقوقي وأسس رفقة محمد منصور رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين بجهة طنجة أبان عن علو كعب في العمل الميداني وتوثيق مختلف الخروقات في مدينة طنجة المعروفة بسيطرة لوبيات الفساد على الشأن العام الجماعي بها لعقود. وكان الى جانب محمد منصور والمرحوم القواسم والفنان التشكيلي العياشي الدبون جزء من فريق يتقن فن العمل الجماعي وإعداد التقارير والتحريات حول مختلف ملفات مدينة طنجة خصوصا وجهة الشمال عموما. وخلال العقد الأول من الألفية كانت الرابطة علامة فارقة في العمل المدني المثمر وكانت نموذجا للمجتمع المدني الحي بعروس البوغاز.
....
كنت أطلقت دعوة لتنظيم ذكراه الأربعينية فور إعلان وفاته في مثل هذا اليوم. لكن اقتراح بعض رفاقه عدم التسرع وطالبوني بتعميق التفكير قصد الإعداد لحفل تأبين يليق به وبمكانته، مما جعلني أتراجع.. واليوم مرت سنة ولم يتحقق أي تقدم في هذا المشروع، وأتمنى أن يسترجع رفاقه أنفاسهم ويعيدون بحث الفكرة لأنه لا يعقل أن تستمر مجافاته حيا وإهمال حتى ذكرى رحيله العطرة.
السي محمد العسري قدم الكثير لهذا الوطن الحبيب ولمدينة طنجة ويستحق حفل تأبين يليق بمكانته العظيمة في عالم النضال السياسي النبيل وعالم الصحافة والفكر وحقوق الإنسان.
والمؤسف هو أن المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف الذي كان العسري من مؤسسيه (وكان عضوا دائما بمجلسه الوطني) لم يتحمل مسؤوليته التاريخية وينظم ولو حفل تأبين بسيط لروحه الطاهرة. رغم أن العسري هو من ساهم بقوة وبنكران ذات في كتابة معظم بيانات المنتدى جهويا ووطنيا. فالعسري من الكتاب القلائل الذين يكتبون البيانات والمقالات والتقارين مباشرة وبدون رتوش ولا مسودات. وكان متمكنا بشكل عجيب من اللغة العربية مع اتقاد مستمر للفكر..
رحمة الله على السي محمد العسري الرفيق الذي لم يبدل تبديلا والصحافي النزيه والحقوقي الجسور والإنسان الطيب. الذي لم يبع ضميره ولم يبع مبادئه في سوق النخاسة والجري وراء مناصب النظام، وكان عفيفا متعففا قنوعا صبورا ربى أولاده الثلاثة على التشبع بمبادئ الإنسانية والأخلاق، وأفنى عمره في النضال، ولم يستغل مكانته وإشعاعه محليا أو وطنيا لتحصيل منفعة غير قانونية.
وعزاؤنا مجددا لعائلته الصغيرة ورفاقه وأصدقائه.
لن ننساك أبدا أيها المواطن الصادق..
واعذرنا على التقصير في حقك حيا وميتا، فهذا زمن التفاهة ونكران الجميل واستعمال المناضلين كحطب جهنم لتحقيق المأرب والمناصب وتسلق السلاليم..
فتحية لك من هذا المنبر وشكرا على وجودك..فأنت لم تمت وإنما ذهبت الى الأبدية لترتاح من مشاهد هذا الزمن الأغبر، ونضالك وكلماتك ومقالاتك وكتبك ستبقى شاهدة على مرورك البهي في هذه البسيطة..وستبقى خالدا على غرض هذا الكون الشاسع الى أبد الآبدين..كفكرة جميلة وروح نبيلة.
الى اللقاء...الرفيق الجميل محمد العسري.
...
طنجة في 5 فبراير 2023
إسماعيل طاهري
0 التعليقات
