01‏/07‏/2022

الفنانة الفلسطينية دلال ابو أمنة في حفل بالرباط


في عدد الثلاثاء 17 مايو  من "جريدة القاهرة" نحتفي بمشروع مهم يمثل إضافة نوعية لمشروعات ممتدة للحفاظ على الذاكرة الفلسطينية طوال تاريخها ..

تحية للفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة ولفريق "مشوار ستي" ولكل من يقاوم احتلال الأرض والذاكرة.


في ذكرى  النكبة .. مدن فلسطين لم تفقد بهاءها :

"مشوار ستي".. مشروع فني ثقافي يعيد رسم ملامح الوطن 

الكبار سيموتون.. والصغار سينسون" .. اعتقد ديفيد بن جوريون أن في تلك الكلمات حلا سحريا للتخلص من أصحاب الأرض وحماة القضية الفلسطينية، لكن ما حدث أن الكبارقبل أن يرحلوا نقشوا "فلسطين" معنى ومبنى ، تراثا وهوية، حجرا وبشرا على جدران الروح حتى صارت  تجري في عروق الصغار مجرى الدماء..

منذ النكبة وعلى مدار 74 عاما، ظل الاحتلال وإن تضاعفت سطوته غريبا ( أيها المارون بين الكلمات العابرة ..اجمعوا أسماءكم وانصرفوا) ، غَيَّر أسماء المدن وبعض معالمها لكنه فشل في أن ينتزع منها ومن أهلها بصمة الروح 

تناقلت الأجيال جينات الهوية الفلسطينية فلم تتبدد ولم تفنى كما تمنى مجرمو الحرب من قادة الاحتلال الصهيوني.

صار كل فلسطيني منذ الميلاد يعرف أن عليه واجبا مزدوجا ؛كحامي للذاكرة، و كناقل للرواية العربية في مواجهة زيف رواية الاحتلال التي يروج لها عالميا.

تعددت وتنوعت أساليب الحفاظ على الذاكرة الوطنية بكامل تفاصيلها طوال العقود الماضية رغم محاولات طمس الهوية.

مؤخرا .. خرج للنور المشروع الذي تبنته الفنانة الفلسطينية والباحثة في علوم الدماغ والأعصاب د. دلال أبو آمنة تحت عنوان "مشوار ستي" وهو امتداد  لمشروعها السابق "ياستي" الذي اشتغلت عليه لنحو ست سنوات وأعادت من خلاله تقديم الأغاني التراثية بمشاركة جدات فلسطينيات تتجاوز أعمارهن السبعين أطلقت عليهن لقب "حافظات التراث"، قدمن معها على مختلف مسارح العالم أكثر من مائة حفل فني.

حرصت "دلال" منذ إطلالتها الفنية الأولى على تحديد هدفها بدقة كي لاتضيع بوصلتها الوطنية فاختارت ابنة مدينة "الناصرة" أداء كلاسيكيات الغناء والتراث العربي وساعدها على ذلك صوتها القوي الذي دربته منذ الصغر على جودة التعبير ودعمته بحركة يديها وقسمات وجهها التي عكست حيوية وقوة وتصميم على توصيل رسالة ما ، تلك الحيوية الزائدة التي اعتبرها البعض مبالغا فيها لكنها كشفت مؤخرا السر وراء تعمدها التعبير عن كل كلمة تغنيها تعبيرا حركيا واضحا؛ فلدلال اختان من الصم فقدتا القدرة على السمع والكلام منذ ميلادهما وهو ما دفعها للاعتماد على لغة الجسد وتعبيرات الوجه للتواصل معهما ، ماخلق علاقة مميزة بينها وبين أختيها " وجود اختين في حياتي من ذوي الاحتياجات الخاصة قوى عندي المحفز الداخلي لدي لخلق وسائل علمية يمكن أن تحسن من ظروف حياة كثيرين" وكان هذا هو الدافع الأول لتخصص دلال في علوم الدماغ من ناحية وفي انخراطها من ناحية أخرى في تقديم الفن الفلسطيني باللغة العربية بلغة الإشارة أيضا. 

قدمت دلال في مشوارها الفني العديد من الأغنيات الخاصة و3 ألبومات غنائية: "نور"، "عن بلدي" و "يا ستي".

أما مشروع "مشوار ستي" فقد ظل يشغلها لسنوات قبل أن يخرج للنور بعد أن تبنت إنتاجه إحدى القنوات العربية وانتهى منذ أيام موسمه الأول بعد تقديم 13 حلقة أسبوعية بدأ بثها في يناير الماضي.

زارت "دلال" 13 مدينة فلسطينية بصحبة نخبة من السيدات حافظات التراث : (نائلة لبس ـ عفاف خوري- جهينة أبو آمنة - ناريمان شحبري - عفاف طنوس - لبنى ريناوي - نائلة زياد) ، صاحبهن فريق من الموسيقيين الشباب البارعين ، انطلقت الرحلة من "عكا" وانتهت بمدينة غزة مرورا بحيفا ونابلس والناصرة ورام الله وبيت لحم والقدس ويافا وطبريا وجنين والنقب والخليل.

قدم "مشوار ستي" صورة أخرى لفلسطين التي اعتدنا أن نراها في نشرات الأخبار وقد تهدمت مبانيها تحت قصف الاحتلال وسقط أطفالها ونساؤها ضحايا القتل بدم بارد أو أغلقت سجونها على شباب تفنى أعمارهم خلف جدرانها لمجرد أن قاوموا مقاومة مشروعة اغتصاب أراضيهم ومنازلهم.

فلسطين في "مشوار ستي" صفحة من الجمال البكر تتمازج فيه ألوان الطبيعة بحميمية الحضور الإنساني .. يروي أبناء المدينة تاريخها الحقيقي المنقوش في الذاكرة عبر الأجيال ويستعيدون أسماء الأبطال المقاومين منذ النكبة وكأنهم رأوهم رأي العين.. ولا يقتصر الأمر على استعادة تاريخ النضال والمقاومة وإنما يمتد لتقديم صورة حية كاملة الملامح لكل مدينة فلسطينية تراثها، أغنياتها، حكاياتها الخاصة.

ولايغيب المختصون في التاريخ والآثار والفولكلور والفنون المختلفة فكل منهم يروي من منطلق تخصصه حكاية مدينته في ماضيها وحاضرها.

قدمت دلال أبو آمنة وفريقها المعاون الثقافة بمفهومها الشامل فلم تقصرها على الإبداع ممثلا في الغناء - وإن كان له الحضور الأكبر كحافظ للذاكرة والتاريخ - وإنما شملت كل تفاصيل الحياة ..

 تبوح المدينة في "مشوار ستي" بأسرارها،  نستكشف شوارعها ،أزقتها، بيوتها، أسواقها، حرفها التراثية، مطاعمها الشعبية؛ نتشرب ملامحها التي كثيرا ما رسمناها في الخيال.. فمن منا لم يرسم لفلسطين صورة بهية في مخيلته؟ 

في "مشوار ستي" رأينا فلسطين وكأنها خلعت أسمال 74 عاما وارتدت من جديد ثوبها البهي المنقوش ، استمعنا لصوت أم كلثوم وهي تحيي حفلاتها في أواخر عشرينيات القرن الماضي وسط جمهور حيفا الذي منحها لقبها الأثير "كوكب الشرق"، رأينا طيف أسمهان يجوب القدس وصوتها الرنان ينبعث من كل أركانها. 


تاريخ ثري طويل اختزلته الأغنيات الفولكلوية التي انخرطت سيدات "مشوار ستي" بكل حماس وبكثير من البهجة في أدائها وقد حرصت "دلال" في نهاية كل رحلة على تقديم أغنية تراثية فلسطينية جنبا الى جنب مع أغنيات جديدة مشبعة بروح هذا التراث وقامت بتسجيلها وتوزيعها بالتزامن بين فلسطين وبيروت، بالتعاون مع الموزع الموسيقي الفلسطيني المقيم في لبنان روبير الأسعد.

أما عن مردود المشروع الرائد في استخدامه الذاكرة البصرية السمعية فقد فاق التوقعات خاصة سواء بين العرب أو الفلسطينيين في الداخل والخارج ومن أدق وأجمل ماصور هذا الأثر رسالة نشرتها دلال على صفحتها الشخصية بموقع فيس بوك تلقتها من  المعلم والمربي الفلسطيني أمين صبري مناصرة، قال فيها: "مشروعُ "مِشوار ستّي" التي بادرت له مؤخرا سفيرتنا للأصالة والتّاريخ بنت البلاد والأوطان دلال أبو آمنة ما هو إلا بِساط فرح دخل عنوّة لقلوبنا في فترة تتوّق الأرواح للفرح وصفاء النّفس وتصوّف الذّات، تُذكرنا أن لحواضرنا علينا حقّ  حواضر بلادٍ تغيّرت رياحها وثبتت مساكنها، شواهد لمدن لها إرث يمتدّ كسحاب شتاءِ وصيف وشمسها لا تغيب عن نقاء الكلمة وأصالة اللحن ووطنيّة الأدّاء وفنيّة الحضور ورقيها.

زارت جبل النّار نابلس  إبراهيم وفدوى طوقان، رتّلت سيمفونية موطني موطني من على عتبات قصر طوقان في نابلسنا الشمّاء، غنّت لجدران حاراتها العتيقة،لشرفات بيوتها، وأرصفة وأسواقها العتيّة.

ثم لبّت دعوة غسّان كُنفاني لزيارة   بوابة بلادنا البحريّة عكا الاسوار والقلاع والجزّار، وقفت بباب سجن عكا شاهدةً على زوال السّجّان ودوام  حرية السّجين،جالت بأسواقها مرتديّة كلماتٍ رددّ الحاضرون معها ألحانها، وبخروجها عانقت رجلًا قيل أنّه القسّام.

ومن مسقط راسها عاد ينبض قلبها، تنادي "أنا من هذهِ المدينةِ" فهل من زائر لا يجدُ مهد طفولته ومرتع ألعابه؟

 ودموع طفلٍ دُفع نصف العمر لمسحها! وما كان الدمع ليجفَ! طرقت باب زيّاد "أُناديكم" فالتفّ حولها كشالٍ مترامي حول  جسد فتاة نصراويّة عزّباء طلب يدّها فلّاح زرع غيطهُ قمحا وشعيرا وحبّا، دخلت اسواق مدينتا الناصرة على شرف تاريخ يُذكر ولا يُنسى.

وسألت:

أين جمال قعوار؟ وأين شكيب جهشان؟ وأين مي زيّادة؟ وأين توفيق زيّاد؟ فأجابت النّاصرة أن رحمها حديقة غنّاء من خرج منه ورحل سيخرج منه ويعود.

غنّت وابتسمت فأزهرت الناصرة ربيعًا رُغمَ عنفوان الشّتاء.

"مِشوار ستي" بِساط رحّال  بِبُقجته الكثير كمنديل ستي المليء بالحلويات وكطبق من حبقٍ بكأس مغلي من "بابور" دارنا...دارنا التي ما زالت تغني اغاني ستّي.

مِشوار أرّخ لنا كلمة وغنّى لنا دمعة  والبقية تأتي...."

هكذا نجحت الكلمة والنغمة والصور الحية من الوطن القريب من القلب البعيد عن العين في تقديم شكل جديد لفعل مقاوم ..

قدم "مشوار ستي " الرواية الفلسطينية مدعمة بكل أسانيد صحتها ودقتها عبر استدعاء التاريخ والفولكلور والثقافة بكل مفرداتها لترد على ادعاءات من زعموا أن تلك الأرض كانت بلاشعب . 

                                                                                                    رشاحسني

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: الفنانة الفلسطينية دلال ابو أمنة في حفل بالرباط Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top