الاثنين، 22 نوفمبر 2021

متابعات تربوية: في نجاعة البحث التدخّلي التربوي: بقلم الدكتور يحيى بن الوليد

ثمة مجالات، أو قطاعات، تمسّ بنيات المجتمعات بشكل وطيد ومركّب في الوقت ذاته كما هو الشأن بالنسبة لقطاع التربية والتعليم؛ ممّا يجعل التعاطي المقارباتي المحصّلاتي مع الموضوع "رهانا مجتمعيا" بالنظر لما ينتظر من الإنتاج الأكاديمي والمعرفي بصفة عامة على مستوى التحليل المحكوم بالتشخيص في إطار من "التدّخل" الذي يقع ضمن العناصر التكوينية للبحث التربوي تلافيا للتجريد والتعميم والتعويم. فالإنتاج الأكاديمي لا ينفصل عن مشكلات المجتمعات والعصر، وإلا سقطنا في "الأكاديميا الضارّة" كما تنعتها التقاليد الأنجلوسكسونية. والبحث التدّخلي، في النظر الأخير، وفي حال لغم التربية والتكوين، ليس جزءا من الموضوع فقط، إنما هو يخدم الموضوع ذاته عبر آليات التشابك المتحدّرة من بنية البحث أو كلية البحث في حال ارتكازه على شروط البحث التدخّلي بمستواه النظري المندغم في آليات التحليل والمقاربة.






ومناسبة هذا التقديم الفرصة (المعرفية) التي أتيحت لنا، في أكثر من مرّة، وعبر أيّام دراسية، للإسهام في تحكيم بحوث ضمنها بحوث تربوية تدخّلية... فرزا وتصنيفا وقراءة ثم تحكيما. وعلى هذا المستوى بدا لنا مفيدا تقديم بحث "المصاحبة والتكوين عبر الممارسة بالتعليم المدرسي المغربي" الذي كان وراءه أساتذة باحثون ومؤطّرون بمؤسّسات التربية والتكوين، وهم: عزيز بوستا ويوسف العماري ومصطفى الورياغلي ورشيد بنعلي. والبحث، ومن ثمّ حظه المعرفي، آل إلى كتاب منشور بالعنوان نفسه وصادر ــ بدعم من وزارة التربية والتكوين... ــ عن منشورات سليكي إخوان بطنجة (2018).




والمؤكد أنه ليس هناك ما هو أصعب من تخليص الأبحاث وبخاصة تلك الأبحاث المرتكزة على قواعد البحث الرصين، ودونما حطّ أو تنقيص ــ هنا ــ من التلخيص باعتباره آلية من آليات المكمّلة للكتب والأبحاث. ووفق هذا الاعتبار فقد آثر فريق البحث، وتلافيا للتعميم سالف الذكر، التشديد على موضوع محدد يظهر في شكل "معطى" من منظور العلوم الاجتماعية بعامة في تعاطيها مع معايير المجتمعات ومتغيراتها القيمية. والمقصود، هنا، وعلى صعيد البحث التربوي التدخّلي، معطى "المصاحبة" باعتبارها أداة من أدوات التكوين الفعّالة عبر الممارسة العملية والميدانية في سياقات "المهننة" المنشودة والمتطلع إليها. فمن الظاهر أن البحث ينحاز للممارسة الميدانية من خلال دعامة "المصاحبة" وفي دلالة على أطر تربوية أُطلق عليها ــ بتوصيف البحث ــ اسم نبيل هو: "المصاحبون" و"المصاحبات"، خاصة وأنهم اكتسبوا خبارات في مجال التدريس، وخضعوا لانتقاء دقيق وفق شروط تتلاءم مع هذه المهمة الحساسة.

وبالرغم من مستواها الظاهري الميداني الممارساتي فالمصاحبة محكومة بتصوّر نظري أو بالأدق بإبدال أو براديكم يستجيب من منظور البحث لـ"تحوّلات سريعة تعصف بكل مجالات حياتنا، وعلى رأسها "المنظومة التربوية"، وعلى كافة المستويات العلمية/المعرفية، والاجتماعية والسياسية والاقتصادية". وهو ما فرض، في سياق الاستجابة لهذه التحوّلات، النأي عن الباراديغم التقليدي للتكوين: (نظري/ عملي) الذي كان يشترط استكمال الفاعل المهني تكوينه النظري المحض حتى يعبر لمطبخ التدريس العملي. فقد كان للانفجار المجتمعي والانشطار الثقافي والتحوّل القيمي... انعكاس على "الواقع المهني" من حيث تجدد آلياته وتعقيدها في آن واحد؛ ومن ثمّ استحداث الباراديغم الجديد (عملي/ نظري/ عملي) في جل مراكز التكوين المهنية عبر تجارب عالمية ضمنها المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالمغرب. فعناصر العملية التعليمية التعلّمية، بخطاطاتها المعهودة من "معارف ومهارات ومواقف" في حال المدرِّس و"إلزامية ودافعية" في حال المتلقي، تعرضت لمتغيرات عدّة نتيجة تحوّلات اليومي الجارفة؛ ما حتّم "إعطاء الأولوية لجانب الممارسة العملية، للتمكّن من اكتساب كفايات مهنية، لإقدار المهني على حل مشاكله اليومية المتجددة التي تعترضه" لكن ــ كما يواصل أصحاب البحث ــ "دون إهمال الجانب النظري الذي يساهم في تصويب وتعديل أي انحراف قد يحصل في بناء الكفايات المهنية".




وكما في الأبحاث التدخّلية، وعلاوة على استشكال البحث من خلال تصوّر نظري يفيد أو بالأدق يستدعي المرجعيات النظرية المتعلقة بالموضوع، فقد ركّزّ فريق البحث على المصاحبة والتكوين عبر الممارسة في إطار من "عيّنة بحثية" محدّدة متمثّلة في جهة طنجة ــ تطوان ــ الحسيمة، ومن حيث هي جهة لا تخلو من خواص ثقافية ومواصفات جغرافية في نطاق المغرب من حيث هو مفترق ثقافات وجغرافيات. وقد استغرق العمل ثلاثة أشهر من البحث النظري والتقصّي الميداني. ومن المفهوم أن يطرح البحث موضوع المكان والفاعلين والوثائق والنصوص المعتمدة.. إضافة إلى أدوات البحث المتمثلة في الاستبيانات و"مجموعات النقاش البؤرية" كما يسمّيها الفريق.




غير أن ميزة البحث، في إطار من طابعه العملي التدخّلي، من سنده النظري المرجعي نتيجة تعاطيه مع المصاحبة باعتبارها "آلية" أيضا. ومن ثمّ المدخل النظري التي تمّ فيه تخصيص المصاحبة بتصوّر يفيد من مرجعيات وطنية ودولية. وذلك كله في المدار الذي يعنى بتنزيل مشروع المصاحبة على أرض الممارسة التربوية، ومن ثمّ أيضا حرص الفريق على استقصاء مقتضيات التنزيل وفق منهج وصفي واستخلاص مواطن القوة والضعف وتجميعها وتصنيفها وفق جداول ورسوم وبيانات... إلخ. لذا وجدنا البحث مذيّلا بجملة من الاستنتاجات فالتوصيات المستوحاة من الاستقصاء والاستخلاص دونما إسقاط ودونما تنكر لفضيلة قابلية الاستنتجات والتوصيات للمراجعة والتعديل.




ميزة أخرى بدت لنا لافتة في البحث وهي بعده الإنساني والتشاركي، وهو ما نقرأه على النحو التالي: "وممّا يزيد آلية المصاحبة هاته أهمية، اعتمادها على مبادئ وقيم، تعمل على تمتين أواصر العلاقات بين أفراد الأسرة التعليمية، بحيث يدعم فيها القويُّ الضعيفَ، ويستمدّ فيها المبتدئ من المتمرس عناصر الخبرة والكفاية التي يحتاجها، دون تراتبية ولا إحساس بأي نقص أو تفوق من أي طرف، أي دون ممارسة أي سلطة رقابية أو عقابية، ليُطور الأساتذة إمكانياتهم وكفاياتهم في ظل مناخ مدرسي سوي وسليم. ولعل هذا المكسب – إنْ تحقق- سيدفع بمجتمعنا المدرسي إلى تجاوز الكثير من المعوقات البيروقراطية والسيكولوجية والأخلاقية والحقوقية التي لازالت تمنعه من الانطلاق نحو الآفاق الرحبة التي تنشدها كل المنظومات التربوية الحداثية والمتطورة". ولعل هذا الطابع الإنساني أيضا، ما جعل البحث ينهج منهج المقارنة على نحو ما يمكن أن نقرأ في الفصل الخامس من القسم الأول الذي يقترح تأمل عدد من التجارب الدولية في مجال المصاحبة في ميدان التربية مثل بلجيكا وفرنسا وكندا وتشيلي.




تجربة المغرب في مجال "المصاحبة"، باعتبارها آلية للتكوين عبر الممارسة وبما يلازم التجربة من عوائق وإكراهات، لا زالت في طور التشكّل والامتداد. فهي في عامها الثالث. والبحث مفيد على مستوى التعاطي مع هذه التجربة الوليدة، بجدّته المعرفية وخطّته البحثية ومسؤولية أصحابه البادية.

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: متابعات تربوية: في نجاعة البحث التدخّلي التربوي: بقلم الدكتور يحيى بن الوليد Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top