الأحد، 22 سبتمبر 2019

صدمة...رحيل مفاجئ للكاتب المغربي عبد اللطيف الزكري


توفي أول أمس الجمعة 20 شتنبر الكاتب المغربي الكبير عبد اللطيف الزكري بعد وعكة صحية مفاجئة عن سن 52 عاما.
ويعتبر الدكتور عبد اللطيف الزكري من كبار كتاب القصة القصيرة في المغرب. عرف بثقافته الواسعة وتواضعه الكبير. ولد الزكري بمنطقة بني مكادة بطنجة وهو عضو باتحاد كتاب المغرب.
وهو شخصية مرموقة ومحترمة داخل مدينة طنجة وخارجها، وظل طيلة مساره مهموما بالثقافة والكتابة والنقد في مجال السرديات المعاصرة.
كان أستاذا ثم حارسا عاما بثانوية الملك فهد بطنجة وروى زملاءه أن مكتبه كان عبارة عن مكتبة.
وقد خلف رحيله المفاجئ صدمة كبيرة داخل مدينة طنجة انعكست على مستوى شبكات التواصل الإجتماعي.

صفحة مكتبة الفاصلة نعت الكاتب عبد اللطيف الزكري ونشرت فقرات من سيرته الذاتية ننشرها هنا تعميما للفائدة:
عبد اللطيف الزكري
- من مواليد مدينة طنجة سنة 1967.
- حصل على شهادة الدكتوراه، شعبة اللغة العربية وآدابها، (تخصص الأدب العربي الحديث) من كلية الآداب بفاس عام 2006.
- انخرط في سلك التعليم.
- كاتب وقاص وناقد.
- شارك في عدد من الملتقيات الأدبية الوطنية والدولية.
- نشر نتاجه الإبداعي والنقدي في صحف ومجلات داخل المغرب وخارجه.
- ساهم في تقديم مجموعة من اللقاءات الأدبية والندوات الثقافية في عدة مدن مغربية.
- عضو اتحاد كتاب المغرب.
- عضو مؤسس لجمعية "أصدقاء لوركا"، ونائب رئيس أول مكتب لها.
- عضو مؤسس ورئيس تحرير مجلة "البحور الألف" (1995 - 1996).
- عضو مؤسس وكاتب عام جمعية "ملتقى المتخيل المتوسطي".
- عضو المركز المتوسطي للدراسات والأبحاث.
- صدر له في الإبداع الأدبي:1 - "أشياء معتادة" (قصص) طنجة 2002 .
2 - "المخلوقات العجيبة" (قصص) الدارالبيضاء 2006.
3 - "جرح في الحائط" (قصص) الرباط 2011.
4 - "الأشياء ذاتها تتكلم الأشياء تقول" (قصص) طنجة 2016.
- صدر له في النقد الأدبي:1 - "جماليات القصة القصيرة العربية الحديثة والمعاصرة /دراسة في المكونات الفنية" بيروت 2012.
2 - "وظيفة الصورة في الرواية / النظرية والممارسة" الأردن 2016.

الى ذلك، كتب الأستاذ الطيب هلو عن الراحل تدوينة عميقة ندرجها هنا بالكامل نظرا لبعض التفاصيل التي تتضمنها وتمكننا من الإقتراب من الكاتب الراحل عبد اللطيف الزكري ومساره الثقافي والحياتي الثري بالدلالات والعلامات والمعاني.





الطيب هلو إلى
 Abdeltif Zekri
أمس الساعة ‏١١:٣٣ ص‏
الصديق المبدع عبد اللطيف الزكري. التقينا ذات أكادير في منتصف التسعينات وجددنا اللقاء في بركان حين كان "قريبا من النص". من حظي أني اقتربت من قصته "السفينة" بعدما أتممت قراءة تحليلي قال لي بتواضع وابتسامة صافية: " كأنك كنت معي حين كنت أكتب هذا النص". إلى روحك أهدي هذه القراءة
السفينة لعبداللطيف الزكري:
انحاز القاص عبد اللطيف الزكري إلى عنوان قصير. كلمة واحدة تكفي لتمنح السفينة موقع القوة الفاعلة الأكثر تأثيرا في النص، كلمة ساهمت في تنامي الحدث وأدت إلى تشعبه بما يكفي لتمنح القارئ جرعة التشويق الضرورية.
لم يركن القاص إلى بناء فني قار وجاهز، رغم أنه في الظاهر يبدو كذلك. يبدأ النص بما يبدو شبيها بافتتاحيات "ألف ليلة وليلة" و"الحكايات العجيبة." في سجع جميل ينقل إلينا تلك الأجواء أو ينقلنا إليها
« تمخر السفن الكبار، البحار الكثار، في مغامرة، وفي إصرار، لكن القوارب الصغار، ينبغي أن تحاذي الشواطئ في حذار...». افتتاحية مشوقة للقارئ، كما أنها مشوقة لبطل القصة، الطفل كمال الذي تأسره هذه الكلمات التي تتفوه بها السيدة ليلى، لتمنحه حق الحلم بالإبحار وامتلاك السفن، التي ستتدرج في القصة.
قبل أن نستمر في تحليل الحكاية نشير إلى أن هذا النص يشي بالإمكانات والتقنيات القوية والعديدة للتي يوظفها القاص. الشكل القصصي مفتوح قائم على الاحتمال والانهيار، في خلخلة واضحة لأركان القصة المتعارف عليها على الرغم من كونها ظاهريا تبدو منضبطة للشكل الكلاسيكي، من حيث احترام الحدث والزمان والمكان والشخصيات.
صناعة السفن مجرد لعبة تتفنن السيدة ليلى في صنعها "وكانت لعبة السفن الورقية تعجبه، أيما إعجاب. وهي اللعبة التي ما فتئت تبتكر في أفانينها وتخترع، إلى أن بلغت مرحلة من الجمال، حين بدأت، هذه الأيام، تصنعها بخشب الأبنوس الصقيل الجذاب. وآخر ما صنعته سفينة نحتت في دقلها اسم «الحريري»."
لكن السفينة تتجاوز بعدها الحقيقي حين تصير قصة. لكل سفينة حكاية تستدرج الطفل إلى المرأة، لتحقق أمومتها الراقدة، كما تستدرجه الحلويات التي كان يهواها ويزدردها بالتذاذ، والرغبة في النجاح حيث يقبل على المرأة لتساعده على حل التمارين المدرسية. استدراج مضاعف يمنح القصة بعدها التربوي دون أن تسقط في المباشرة والخطابية. ألم يكن الكاتب أيضا يمارس لعبة الاستدراج لنكمل قراءة الحكاية؟
الحكم التي كانت توزعها بطلة القصة على مدار الحكاية كانت تتحمل مهمة الاستدراج أيضا فعندما تقول « كل سفينة قصة، إلا التي نبحر عليها»، فهي تدفع بالبطل الصغير نحو مزيد من الإبحار في درب النجاح والغوص فيه بكل ما أوتي من محبة للأدب التي تسربت إليه من محبة السفن. فـ"هو ما كان ليحفظها، لولا حافز السفينة الأبنوسية الجميلة..إن السيدة ليلى، وقد حققت ما خططت له، أرادت أن تجعل متعلمها المحبوب، يقبل على قصص ألف ليلة وليلة، ومن بعدها على القصص الأوروبية والأمريكية في لغتها الأصلية أو مترجمة مثل قصص جزيرة الكنز، وجزيرة العجائب والغرائب، وموبي ديك.. والشيخ والبحر.. ولم يكن لديها من مكافأة، تجازي بها متعلمها الذكي، سوى السفن بصنوفها.."
البطل مدين بنجاحه للحريري ومقاماته – كما قال مدرس العربية – وهنا لا يخفى الدور التعليمي لمقامات الحريري من خلال قدرتها على تنمية رصيده من اللغة. لماذا الحريري؟ وما علاقته بالسفينة التي يحلم بالحصول عليها من السيدة ليلى؟ هي فتنة الإبحار في بحر المعرفة الذي لا شاطئ له. ربط القراءة بالمتعة يحيلني على فيلم "القارئ" The Reader حيث تربط البطلة التي تتجاوز الأربعين المتعة الجنسية التي تقدمها لذلك التلميذ بأن يقرأ لها قصصا. لم تفعل السيدة ليلى ذلك لأن سنها لا يسمح بذلك فهي تجاوزت السبعين، لكنها تمنح معادلا لتلك المتعة. ألم يقل رولان بارت إن المتعة يمنحها النص تعادل متعة ممارسة الجنس؟ قد تتخفى هذه المقولات في لا وعي النص، لكن تفكيكه يكشف عن بعض هذه الظلال.
ما علاقة سفن السيدة ليلى بالحكايات؟ يمكن أن نلاحظ أن القصص التي أثث بها السادر ذهن الطفل عن البحر والسفن؟ لن يكون ذلك مجرد صدفة. المرأة تذاكره القصص قبل أن تريه السفينة الجديدة/ قبل أن تمنحه المتعة المرجوة. الاستظهار معادل موضوعي لتلميع السفينة. كان يستظهر "كأنه يلمع سفينته الأبنوسية بماء الذهب.. لاستدرار الدهشة والمكافأة.."
"كل سفينة قصة"، أو كل سفينة بقصة. منطق المكافأة والتشجيع منطق تربوي. هل نحن أمام قصة تعليمية تربط التعليم بالتعزيز؟ قصة تصرح بأن عليه أن يقرأ أكبر عدد من قصص المغامرات ليحظى بالسفية الجديدة "جسر الحالم". أن يقرأ - لا أن يحفظ - تصريح غير برئ بنبذ الحفظ لصالح إدمان القراءة.
"كل قصة سفينة". تتحقق هذه المعادلة عندما تكشف السيدة ليلى عن "صندوقين مزخرفين موشومين بعلامات مميزة.. أحدهما يمتلئ بكتب القصص المطلوبة، والآخر تزدان داخله السفينة الجديدة، المصنوعة من الألومينيوم اللامع الفضي اللون."
المعلمة "تضمر أسرارها ولا تكشف عنها للطفل" والطفل يفهم المطلوب منه. عليه أن يتوجه نحو صندوق الكتب. "إنها تريد منه أن يتعلم عادة محبة الكتب واقتنائها.. والذهاب للبحث عنها في المكتبات..إن تطلب الحال ذلك. ليس غريبا، أن ينهي الطفل قراءة كتب الصندوق في أسابيع قليلة، فلهفته كانت تزداد، كلما سمع من معلمته.. ما يلهب شوقه إلى حيازة السفينة الجديدة."
القارئ يتحول إلى ناقد. مرحلة مهمة في مسار قارئ جيد، مدمن تحت إغراء السفن. يعدل في حكمة المعلمة فيقول: « كل سفينة قصة، وكل قصة نبحر فيها، إلا القصة التي لا تعجبنا..». حكم نقدي انطباعي بلا شك لكنه مفعم بتصورات نقدية مهمة. أفق الانتظار الذي شكله القارئ من إدمانه قراءة نمط واحد من النصوص خلق لديه نفورا من كل ما يخالف ذلك الأفق ويكسره. يرى فيه قصصا مفعمة بالاشتباكات المعقدة. وصول القارئ إلى لحظة النقد وتشكل الذوق الشخصي استغناء عن المعلم. هي مرحلة في طريق الإبحار المعرفي. تعترف المعلمة: "أنت الآن، لم تعد بحاجة إلى مذاكرة مني.." تمنحه السفينة الجديدة ومفتاحها بعد أن أعطته مفتاح القراءة الواعية، وتوحي إليه بالمرحلة القادمة "صناعة السفينة". وبما أن السفينة قصة فهو انتقال القارئ إلى كاتب. بعد الوعي بأنماط النصوص وخلفياتها ومكوناتها الإبداعية والعناصر الضرورية لتنتزع إعجاب القارئ يتحول القارئ إلى صانع سفن/ كاتب. ليختم القصة بقول المعلمة « هذه هي السفينة، التي كنت أنتظر منك، سفينة كلمات..»
"السفينة" قصة تعليمية تربوية بلا شك لكنها لم تضحي بفنيتها وقيمتها الجمالية لصالح خطابها.


كما كتب عبد الرحيم العلام الرئيس السابق لاتحاد كتاب المغرب تدوينة ينعي فيها الراحل

الصديق العزيز الكاتب والناقد المقتدر وعضو اتحاد كتاب المغرب، الأستاذ عبد اللطيف الزكري في ذمة الله.
أقسى خبر تلقيته اليوم، هو وفاة الصديق العزيز الكاتب والناقد الأدبي المتميز وعضو اتحاد كتاب المغرب، وصاحب الكتابات النقدية المؤثرة، الأستاذ اللطيف والخلوق عبد اللطيف الزكري، تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم أسرته وأقرباءه وأصدقاءه جميل الصبر وحسن العزاء.
ولا حول ولا قوة الا بالله .




رئيس تحرير ملحق " العلم الثقافي " الشاعر محمد بشكار كتب على الفايسبوك تدوينة عميقة ندرجها هنا بالكامل"


لا يُقصِّر عمر الأصدقاء إلا نعيٌ يأتي بأقصى سرعة!

محمد بشكار

تنْدم حين تفتح فيسبوك، وتعضُّ على الأصابع التي فتحته ألماً وأنت تنظر لشارعه الطويل يُشيِّع على أكتاف التعازي الناعية، صورة أعز الأصدقاء وقد اختطفه الموت منا جميعا ونحن في غفلة الحياة.


ليتني لم أفتح فيسبوك فلا يُقصِّر حياة الأصدقاء سوى نعي يأتي بأقصى سرعة، ولو تبادر إلى ذهني الآن صديقي الأديب المشتغل في صمت عبد اللطيف الزكري، سأتخيَّله يكتب إما دراسة نقدية أو قصة قصيرة جديدة ليبعثها عما قريب لملحقه الأثير " العلم الثقافي".

هل يجب أن أقول إن جزءا من حياتنا بل قلبها النابض ما ينتهي حين يموت أديب أصيل مثل عبد اللطيف في أخلاقه العالية وقلقه الأدبي ورهافة حسه الإبداعي، هو كذلك وأكثر، ولا أملك إلا أن أضيف ببلاهة، انتبهوا أصدقائي الأدباء لبعضكم بعضا فالموت يجلس أقرب مما نمد الأرجل، ولا يجهز إلا على أكثرنا حياةً..!

رحمك الله أخي ورفيقي في درب الكتابة عبد اللطيف الزكري، ولن أنسى رسالة بعثتها لي بعد قيامي من وعكتي الصحية التي طالت سنة وكادت تودي بما تبقى من حياتي، وكنت قد أرسلتها بعد قراءتك لافتتاحية بالملحق عنوانها(شكرا للحياة على شعرها وليس قِصرها..)، قلت لي بالحرف:

(صديقي الشاعر المبدع محمد بشكار شكرا لك لأنك انتصرت للحياة.

شكرا لك لأنك تحيا الحياة الجميلة التي تستحق أن تعاش.

شكرا لك لأن الثقافة المغربية والإنسانية في حاجة إليك ولأنك قاومت من أجلهما من أجل الحياة الجميلة.

شكرا مقرونا بالاعتذار لأني غائب عن صفحات الفايسبوك ولم أعرف بما ألمَّ بك إلا هذا اليوم من افتتاحيتك للعلم الثقافي. شكرا للحياة التي جعلتك إلى جانبها لأن شعرك صنو لها.

محبتي الدائمة وتقديري الكبير

صديقك عبداللطيف الزكري)

أخي عبد اللطيف وأنت هناك، أهمس لك وكأني أتحدث إلى نفسي، إن انتصارك على هذه الحياة أعظم وأجَلَّ رغم أن الفراق خطبه جلل، وما ذلك إلا لأنك انتقلت إلى عالم أجمل.
إلى أن نلتقي لروحك السكينة والسلام.

كما كتبت الكاتبة عائشة التاج تدوينة تنعي في الراحل-

وداعا عبد اللطيف الزكري
صورة صفحته على الفايسبوك





  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات
Item Reviewed: صدمة...رحيل مفاجئ للكاتب المغربي عبد اللطيف الزكري Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top