يبدو ان كثرة مدح خطاب العرش الأخير أفقد
بعض مضامينه الوجاهة وسط هجوم اعلامي وتحليلي لما جاء في الخطاب ذاته وما لم يجئ فيه.
وكأننا عدنا الأعقاب الى عهد وزير الداخلية والإعلام إدريس البصري.
وهذا الأمر يحملنا على طرح أكثر من علامة
استفهام حول المشهد الإعلامي العمومي وأفق إصلاحه. فهذا القطب فعلا أضحى متجمدا
للغاية ويعيد المغرب الى الوراء وأصبح واحدا من راكز مناهضة التغيير في المغرب بلا
مواربة. وهذه حقيقة تؤكدها الأيام لدرجة أصبح إصلاحه وهما بل كابوسا يقض مضجع كل
ديمقراطي نزيه في هذه البلاد السعيدة.
فما معنى ان يتم فسح المجال للتحليلات التي
لا تسمن ولا تغني من جوع من ابواق مشروخة ومعروفة ملها المواطن. ومعظم ما تقدمه من
تحليلات وتحريمات مدفوعة الأجر .، لا تتضمن
قيمة مضافة، وتتميز بالفقر الفكري والهشاشة المعرفية ولا نسق فلسفي لها. وأغلبها
يعيد بلغته الركيكة مضامين الخطاب فقط.
فسياسة التضليل الاعلامي والبراباغندا ،كما
اشتهرت في أمريكا والدول الشمولية، لا تفضي
الا الى نتائج عكسية، لانها تزيد الاحتقان والتقوقع وضبابية المواقف ولا عقلانية
الارء ، والقرارات وما يفرزه
المواطن من تمثلات للسياسة والشأن العام مبنية على معلومات مبتسرة وإشاعات
وتأويلات مغرضة.
... ...
... ...
لنأخذ مثال النموذج التنموي والنقاش الدائر
حوله.
فالدعوة الى فتح حوار وطني من بعض قوى اليسار
الديمقراطي، حول النموذج التنموي فكرة مهمة لا تنقص من فكرة اللجنة الخاصة التي
اقترحها الملك. فاللجنة التي يفترض أن تشكل من شخصيات مرموقة ولا جدال في نزاهتها
الفكرية ونظافة يدها وحيادها قد تشرف على فتح حوار وطني حول النموذج التنموي.
والسؤال هو لماذا تم اقصاء حاملي فكرة
الحوار الوطني حول النموذج التنموي من منابر الاعلام العمومي؟ الى جانب إقصاء جميع
التحليلات التي لها ملاحظات حول مضامين خطاب العرش.
فأسئلة الرأي العام حول النموذج التنموي
تنتظر إجابات وإيضاءات من قبيل كون مجموعة من الأحزاب أعدت وثائق حول النموذج
التنموي. وهذه الأسئلة وأخرى لا يمكن أن تجيب عنها جوقة المحللين والمعلقين
المعتمدين حاليا في الإعلام العمومي. محللي"العام زين".
.... ....
.... ....
رأي في موضوع النموذج
التنموي؟
فالمطلوب مناقشته، هنا والآن، هو السياسة
العامة للدولة التي يمنح الدستور للملك سلطة وحق تحديدها داخل المجلس الوزاري
وخارجه، داخل الدستور وخارجه، في الدستور المكتوب وفي الدستور غير المكتوب. لذلك
يجب فتح نقاش موسع حول السياسة العامة للدولة. ولنا في تقرير الخمسينية إشارات أولية
حول هذه السياسة العامة ما بعد الاستقلال.
والخشية كل الخشية هي أن يأتي تقرير اللجنة
الملكية حول النموذج التنموي مشابها لمخرجات تقرير الخمسينية الذي هول له ولنتائجه
وخلق له حزب لتطبيق مخرجاته، مع العلم ان المعلومات والتحليلات التي تضمنها كانت معطيات
"مطروحة في الطريق" - كما يقول الجاحظ - في أدبيات أحزاب اليسار والكتلة الديمقراطية
وتحليلات نخبها في الإعلام والجامعة والمجتمع المدني.
فالنموذج التنموي الجديد أو القديم هو ما
كان يسمى"السياسة العامة للدولة" التي وردت في مختلف الدساتر التي عرفها
المغرب منذ دستور 1962.
فمنذ دعوة الملك محمد السادس الى فتح
النقاش حول النموذج التنموي قبل أكثر من سنة، كان واضحا أن الدولة اقتنعت بضرورة
التغيير المطلوب في اعادة توزيع الثروة لان النموذج الحالي لا يأخذ بعين الإعتبار
الجانب الإجتماعي في تحديد السياسات العمومية. يقلص عدد الأغنياء ويزيدهم غنى.
ويزيد عدد الفقراء ويعدمهم فقرا وهشاشة. والأرقام الرسمية مؤلمة على هذا المستوى
وآخرها تقرير البنك الدولي حول البطالة في المغرب غشت 2019.
فهل تريد الدولة العميقة ان تبحث عن اسباب
اخرى لاحداث تغييرات في النموذج الحالي الذي وصل الى نهايته وأضحى يهدد السلم
الإجتماعي، واعطى كل السلبيات التي لم يكن احد يتصورها منذ الاستقلال على صعيد
التنمية البشرية؟
وليس غريبا أن تتحدث تقارير إعلامية عن احتمال حدوث انفجار اجتماعي في المغرب على غرار ما وقع في السودان والجزائر. وأخص بالذكر تقرير بي بي سي عربي.
وليس غريبا أن تتحدث تقارير إعلامية عن احتمال حدوث انفجار اجتماعي في المغرب على غرار ما وقع في السودان والجزائر. وأخص بالذكر تقرير بي بي سي عربي.
اسماعيل طاهري