25‏/10‏/2016

افتتاحية: حكومة بنكيران تمرين ديمقراطي.. لكن معوق


يبدو أن  السيد عبد الإله بنكيران بدأ يجمع أغلبية مريحة لتشكيل الحكومة، فالاتحاد الإشتراكي سيمتنع عن التصويت على البرنامج الحكومي لبنكيران وسيصوت على رئيس مجلس النواب الذي سيكون لامحالة  سيكون من حزب الإستقلال الحليف القوي عدديا لبنكيران. والاتحاد الإشتراكي لن يشارك في الحكومة وسيقرر المساندة النقدية. وهذا هو معنى تيسير تشكيل الحكومة كما جاء على لسان لشكر وبعده بيان للمكتب السياسي. أما حزب الحركة الشعبية فتنتظر الضوء الأخضر من الجهة المتحكمة فيه للإنضمام الى الحكومة. هذا السيناريو يمكن أن يتغير بناء على بعض الظروف الطارئة.
لكن الغائب حاليا في النقاش العمومي حول تشكيل الحكومة القادمة  هو إن كانت هذه الحكومة ستكون حكومة سياسية أم لا، ولا تضم تكنقراط(مخابرات بتعريف عبد الصمد بلكبير) ولا نعرف من المكلف بالمفاوضات عن جانب القصر مع بنكيران فالمستشار الملكي القوي فؤاد عالي الهمة والوزير النافذ عزيز أخنوش يرافقان الملك محمد السادس في زيارته لبعض دول شرق إفريقيا. ولكن يبدو أن الصمت عن هذا الملف والتركيز على الأحزاب المشكلة للتحالف فقط يخفي وراءه شيء ما. 
***   ***
فالمطلوب هو أن يعرض رئيس الحكومة المكلف عبد الإله ابن كيران برنامجه على الاحزاب التي يراها ضرورية لتشكيل أغلبيته، وتقبل بببرنامجه أما أن يرهن نفسه بمواقف الأحزاب من المشاركة فهذا سيضعف موقفه أمام القصر أثناء المفاوضات معه على وزراء سيادة التكنقراط وسادته. وقد تذهب كرة الثلج في اتجاه حصوله على أغلبية صغيرة داخل مجلس النواب وهذا سيضعف موقفه لامحالة أمام الأحزاب وأمام القصر الملكي.
***   ***
فهل يمتلك بنكيران القوة للتعامل مع شخصية نافذة في القصر، والأمر يتعلق ببشخصية وزير الداخلية محمد حصاد الذي أخل بواجباته وتمرد على رئيسه المباشر وتبجح بعدم وجود "التحكم" ولم يعاقب رجال السلطة المتورطين في الحملة الانتخابية. فالداخلية لم تكن محايدة في الانتخابات. فالإدارة لم توال حزب من الاغلبية بل والت حزبا من المعارضة إسمه الأصالة والمعاصرة. فهل سيقبل بن كيران العمل معه لخمس سنوات أخرى؟
في الدول الديمقراطية لا تتجاوز المشاورات أسبوعا ربما لانها ثنائية القطبية. لأن الخريطة السياسية واضحة وتعتمد على ثنائية يمين يسار. أما نحن فلازلنا لم نصل الى هذا المستوى. لكن يجب القيام بالتمرين الضروري للوصول الى هذا المستوى مستقبلا. فالمغرب يعرف فسيفساء حزبيا تحول الى منصات تنظيمية لخدمة أجندة غير سياسية. فلا وجود لاحزاب يمين ليبرالية. وإن كان اليسار موجودا  لكنه مشتت تنظيميا ونقابيا كما أن التيار الاسلامي موجود ومشتت هو الآخر وإن كان من الضروري اعتباره جزء من اليمين. أما الاحزاب الإدارية فهي ليست أحزاب وإنما أجهزة تنظيمية في خدمة السلطة وتأتمر بتوجهاتها العامة.
لهذا يلاحظ وجود إحباط لدى الطبقة السياسية بالمملكة بعد فوز العدالة والتنمية ب125 مقعدا ولاحظنا أن أحزابا عريقة كالاتحاد الاشتراكي لم تعرف بعد هزيمتها المدوية في الانتخابات هل تبقى في المعارضة أو تنضم الى حكومة بنكيران. ونفس الشيئ ينطبق على حزب الاستقلال الذي ارتكبت قيادته أخطاء وازدواجية في المواقف والخطاب. لهذا فموقف حزبي الاستقلال والاتحاد هو موقف دفاعي عن وجودهما في الساحة السياسية بعد عملية استهدافهما في الانتخابات الاخيرة لذلك لاحظنا كيف شكك شباط في عدد المقاعد التي حصل عليها حزب الأصالة والمعاصرة/البام.
ما أفكر فيه هنا والآن، هو أن النظام الحزبي المشتت يسمح للسلطة بالتحكم في الحياة السياسية خصوصا تشكيل الحكومات التي تجد نفسها ضعيفة أمام قوة السلطة الملكية المستمدة من الدستور ومن خارج الدستور.
***  ***
إن التنزيل الديمقراطي للدستور على علاته يقتضي احترام السياسة في تشكيل الحكومات وجعل جميع الوزراء منتمين سياسيا حتى يكون فعلا الخيار الديمقراطي ثابتا من ثوابت الأمة. وليسا شعارا للتسويق الخارجي.
ويبدو لي أن هذا صعب تحقيقه في حالة حكومة بنكيران القادمة. كما سيكون صعبا عليها إعادة النظر في هيكلة الحكومة خصوصا تفكيك وزارة الداخلية الى عدة وزارات وفصل الجماعات الترابية المنتخبة عنها وإقامة وزارة خاصة بالجماعات بالاضافة الى فتح ملف المقدمين والشيوخ وإحداث "مجلس أعلى للمقدمين والشيوخ والعريفات" كما سبق للكتلة الديمقراطية أن اقترحته في 1994 واقترحته في مذكرة الإصلاحات الدستورية لسنة 1996.
كما يتعين إعادة كافة المندوبيات السامية الى حضن المجلس الحكومي فلا يعقل أن تستمر قطاعات وزارية تشتغل بمنطق المندوبيات كمندوبية التخطيط ومندوبية السجون ومندوبية قدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان. كما يتعين سن قانون او مرسوم يوضح اختصاصات وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة وتعيين وزير على رأسها فلا يعقل ان تستمر وزارة بلا وزير رغم توالي الحكومات.
كما يجب فتح ملفات المؤسسات التي أقامها الملك الى جانبه والتي تحولت الى ما يشبه قطاعات وزارية موازية في مجال البيئة والتضامن والمهاجرين بالخارج والتعليم الديني والشباب والرياضة والصحة ومحاربة السرطان. وهي مؤسسات تقدم نفسها كجزء من المجتمع المدني ولكنها أيضا جزء من الجهاز الإداري للدولة.
كما يتعين إعادة كافة الوكالات الحضرية الى حضن وزارة التعمير. وخلق وزارة خاصة بالانعاش الوطني حتى يتم تسوية وضعية مئات الآلاف من الموظفين والعمال خارج قانون الشغل المشردين في "الانعاش الوطني" الذي تحول الى نظام للسخرة.
وفيما يتعلق بالحكامة الامنية فيتعين تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة  وإخراج المجلس الأعلى للأمن تطبيقا لدستور 2011. علاوة على تقديم الإعتذار باسم الدولة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وفي النهاية فهذه المطالب وغيرها ستكون مرهونة بقوة الحكومة القادمة ومدى احترام الاختيار الديمقراطي الذي ينبني على فصل السلط وإعادة توزيعها تدريجيا في أفق تحمل الحكومة لكافة الصلاحيات المخولة للسلطة التنفيذية. ولا تكون مجرد  "هيئة" مساعدة للملك ومنفذة لبرنامجه وتوجيهاته وتعليماته.
ما أفكر فيه هنا والآن، هو كون حكومة بنكيران ستولد معوقة  ولن تستطيع محاربة التحكم بشكل مؤسساتي ، أو وضع حد لما أسماه بنكيران وباحثين مرموقين نظير الدكتور عبد الله ساعف بوجود دولتين في المغرب. بالنظر الى المؤشرات السلبية المشار اليها أعلاه. 
ورغم ذلك فسبقى تشكيله الحكومة الجديدة وتنصيبها من طرف البرلمان تمرينا ديمقراطيا الأهم مما فيه هو تعزيز حضور السياسيين داخل الحكومة المستمدين شرعيتهم و"تشريعهم" من صناديق الإقتراع على علاتها.


اسماعيل طاهري
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: افتتاحية: حكومة بنكيران تمرين ديمقراطي.. لكن معوق Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top