19‏/09‏/2016

الأستاذ محمد اليوسفي يكتب: الإسلاميون والدولة المغربية.. بين الصراع العلني والبحث عن التوافق المفقود


في ظرف أسبوع واحد فقط تلقى حزب العدالة والتنمية المغربي بسبب ارتجال وتهور الدولة هديتين سياسيتين تغنيان عن كل حملة انتخابية للحزب. 
أول هدايا الدولة تمثلت في منع ترشح أحد الوجوه السلفية في المغرب هو السيد حماد القباج بمبرر أن الرجل مسؤول عن بث خطاب الكراهية ومعاداة قيم الديموقراطية والحداثة التي تدعي الدولة تبنيها.
وإذا كان ما أقدم عليه حزب العدالة والتنمية من ترشيح للقباج فخا منصوبا بعناية للدولة العميقة فإن رفض هذا الترشح دون أي مبرر دستوري أو قانوني قوي في ظل قبول ترشيحات سلفيين آخرين قد مكن حزب العدالة والتنمية من الإثبات العملي لخطاب التحكم الذي ظل الحزب يردده طويلا والظهور في نفس الوقت بمظهر الحزب الضحية المستهدف من الدولة العميقة وكسب تعاطف السلفيين المغاربة إلى جانبه كاوراق إنتخابية مضمونة، فضلا عن استمالة جزء مهم من المجتمع الديموقراطي والحقوقي وتحويل النقاش عن أي حديث يخص الحصيلة الحكومية لحزب العدالة والتنمية طيلة خمس سنوات من تدبيره الشأن العام.
حزب العدالة والتنمية الذي استفاد من حراك عشرين فبراير تلقى يوم الأحد بالدار البيضاء هدية أخرى أكثر أهمية حين تكلفت الدولة بحملته الانتخابية السابقة لأوانها عبر مسيرة كان يراد اظهارها كردة فعل شعبية غير موجهة وعفوية تعيد بشكل مبتذل تكرار سيناريوهات قديمة تم اعتمادها في بلد آخر في سياق الانقلاب على تجربة الإخوان المسلمين. 
أصبح مفهوم التحكم الذي اعتاد اجتراره الكثيرون بعد الذي حدث في مدينة الدار البيضاء غير دقيق سياسيا في توصيف حالة غير مسبوقة من العبث السياسي تكشف حجم الارتباك لدى الدولة في التعاطي مع تدبير الشأن السياسي الداخلي في البلاد. 
فاض الصراع السياسي عن حدوده تدبيره ديموقراطيا بما يمكن من احتوائه وفق أي صيغة توافق ممكنة في ظل إصرار الدولة العميقة على التمكين لحزبها السياسي والتنكر لما راكمه المغرب من استقرار هش كان من نتائجه تجنيب البلاد ما عرفته وتعرفه دول مجاورة من فوضى لا زالت مستمرة حتى اليوم. 
هذا الاستقرار والتراكم الديمقراطي على علاته يتم العبث به اليوم بشكل لم يسبق له مثيل، مما يجعل كل متابع موضوعي يضع يده على قلبه تحسبا للأسوأ في ظل تراكم أخطاء- غير مسبوقة للدولة العميقة- أصبحت تهدد لحمة المجتمع المغربي وتفتح البلاد على المجهول. 
من دعا إلى مسيرة الدار البيضاء وعبأ لانجاحها؟ 
من يغامر بالاستقرار السياسي بالمغرب اليوم؟ 
بعد أن تبرأت أطراف من تنظيمها من ضمنها وزارة الداخلية ومعها حزب الأصالة والمعاصرة هل سنسجل هذا الارتجال والعشوائية على مجهول ونعتبر فضيحة الدار البيضاء حدثا عرضيا قامت به جماهير غير موجهة وغاضبة على سياسة حكومة انتهت فترة ولايتها؟ هل يريد السيد وزير الداخلية أن يقنعنا اليوم أن وزارته بعيدة عن تفاصيل وحيثيات هذه الفضيحة، وأن سيادته علم بها فقط ولم يشأ بدوافع احترام حرية التظاهر والتعبير أن يمنعها؟
في الدول الديمقراطية يكفي خطأ كهذا ليقدم أي مسؤول حكومي استقالته ويعتزل الحياة السياسية بشكل نهائي إن لم يتعرض للمحاكمة.!

النظام المغربي، من الاحتراف إلى الهواية.. 

لم ينجح النظام المغربي، الذي وجد نفسه في سياق الالتفاف على مطالب حركة عشرين فبراير مرغما على إدماج الإسلاميين، لم ينجح في إيجاد استراتيجية محكمة لإضعافهم سياسيا رغم كل العراقيل التي وضعت أمام تجربتهم منذ البداية. ورغم قبولهم التحول الى أداة في تمرير ملفات اجتماعية حارقة كان يعتقد النظام انه سيتمكن من خلالها من إعادة السيناريو القديم الذي اعتمد في الإجهاز على تجربة التناوب الأولى ومعها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
فشل النظام المغربي في إضعاف الإسلاميين وزاد ارتباكه أمام سعيه القوي في فرض حزبه كزعيم لأي حكومة مقبلة يطمح النظام في جعلهم جزءا منها تفاديا لخروجهم للمعارضة بعد أن نجح في دمجهم في لعبة سياسية يتحكم كليا في جميع تفاصيلها. زاد من ارتباكه نجاح حزب العدالة والتنمية في إيجاد اصطفافات سياسية تدعم أطروحة التحكم التي نجح الحزب في الترويج لها ورفضه كل مشاركة سياسية مع حزب الدولة في سياق الترتيبات لأي حكومة مقبلة مما أدخل النظام في أزمة صامتة مع الإسلاميين وحليفهم ظهرت بشكل واضح في خطاب العرش الأخير، وما تلاه من بلاغ للديوان الملكي بخصوص تصريحات الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بنعبد الله.
إن غياب أي صيغة للتوافق مع الإسلاميين وحلفائهم في ظل إصرار الدولة العميقة على فرض حزبها ودخول القصر على خط الصراع السياسي المباشر كطرف سياسي واضح لا يؤشر فقط على انتكاسة العملية الديمقراطية في بعدها الانتخابي بعد التصريحات الخطيرة لوزير العدل التي تفتح الباب مشرعا لأي طعن في سلامة الاستحقاق الانتخابي القادم بل أيضا يهدد بضرب ما راكمه المغرب من تجارب ديموقراطية رغم علاتها مكنته من ضمان استقرار سياسي طالما تغنى به النظام به ليعود اليوم في محاولة متهورة وغير محسوبة للانقلاب عليه. 
نخشى على الديموقراطية المغربية الفتية من تحكم الإسلاميين وسيطرتهم على مفاصل الدولة والمجتمع بقدر ما نخشى على البلد من نظام سياسي متهور وتائه فاقد للبوصلة.

محمد اليوسفي
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: الأستاذ محمد اليوسفي يكتب: الإسلاميون والدولة المغربية.. بين الصراع العلني والبحث عن التوافق المفقود Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top