27‏/06‏/2016

إسماعيل طاهري يكتب: الملك ليس شركة تأمين لعلية القوم


هل تحول الملك في المغرب الى شركة تأمين لعلية القوم؟

لقد أضحى هذا السؤال أكثر ملحاحية بعد تداول فيديو ينقل خبر تدخل محمد السادس للتكفل بنفقات الاستشفاء الذي خضعت له مؤخرا والدة السيد عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية.

وهناك حالات أخرى تتداولها وسائل الاعلام والمجالس الخاصة دون إعلان رسمي عنها.

وبعد بروز انتقادات على وسائط التواصل الإجتماعي لهذه "العناية الملكية" لم تتورع جريدة الأحداث المغربية في وصف منتقدي تدخل الملك للتكفل باستشفاء والدة رئيس الحكومة. ب"الوقاحة". معتبرة أن الأمر لا يعني الرأي العام. وان"المجال محفوظ للملك". 

صحيح أن للملك الحق في استعمال أمواله الخاصة كما يشاء وأنى يشاء، لكن بالمقابل فمن الصعب التفريق بين المال العام للملك والمال الخاص للملك. فالملك في النظام السياسي المغربي وحسب التقاليد المرعية "مفرد بصيغة الجمع". فهو وارث سر ثروة والده الحسن الثاني الى جانب إخوته . كما أن له راتب بوصفه رئيس الدولة، وقائد الجيش،ومساهم شركات خاصة.

وبذلك فهو بكلمة "أسمى مؤسسة دستورية" لها حق التشريع والتنفيذ ورئاسة السلطة القضائية. وقبل ذلك وبعده فهو أمير المؤمنين ورئيس مؤسسة"المخزن".

كان خبر تدخل الملك للتكفل بضحايا الحوادث يثلج صدر المغاربة خصوصا اذا كان الملف يتعلق بأبعاد إنسانية واضحة. لذلك حظي بلقب ملك الفقراء منذ توليه العرش سنة 1999 من طرف محبيه.

ومن دواعي الاستغراب كيف لم يتدخل الملك للتكفل بضحايا حادثة سير غريبة شهدتها ضاحية المحمدية منتصف يونيو المنصرم بعد انقلاب حافلة للمسافرين قادمة من تنغير في اتجاه مدينة الدار البيضاء.، مع أن الحادثة كانت مثيرة بعد ان تشتت الحافلة ونزع هيكلها العلوي لدرجة بدت فيها المقاعد في الهواء الطلق تشبه بعض الحافلات السياحية المنتشرة بمدينة مراكش. ومات من مات وجرح من جرح. والفضيحة أن الكل تجاهل عائلات الضحايا القادمين من مناطق بعيدة من المغرب العميق. فلا عامل مدينة المحمدية زارهم ولا وزير آزرهم ولا رسالة تعزية تحمل توقيعا رسميا وصلت الى منازلهم المنزوية في منعرج في سفوح جبال الأطلس.. فحتى نقل جثامين الضحايا الى قبورها المحفورة على بعد ألف كيلومترمن "مسرح الجريمة" في تنغير والرشيدية تكفلت به العائلات المكلومة، ولولا تدخل بعض المحسنين- في حالات قليلة- لتركت الجثث تتجمد أكثر من مستودع الأموات بمدينة الزهور.

كيف يحدث هذا ؟ 

الم تعلم الحكومة، حتى لا نقول ديوان الملك، ان سكان واحة فركلة/
تنجداد التي ينحدر منها أغلب ركاب الحافلة/ الضحايا أطلقوا حملة لجمع تبرعات لمساعدة عائلات الضحايا ماديا ونفسيا؟ ألم تتحول المنطقة الى مأتم حقيقي بعد ورود أكثر من 13 قتيل وجنازة وعويل كل صباح وكل مساء لمدة أسبوعين. دون الحديث عن عشرات الجرحى والمعطوبين مدى الحياة ممن بترت أيديهم أو قطعت أرجلهم أو سحقت ملامح وجوههم.

كيف يتدخل الملك للتكفل بصحة أم رئيس الحكومة مع أن رئيس الحكومة يتوفر على تغطية صحية، ونظام تأميني وزاري له وعائلته امتياز الدخول او الخروج من أية مصحة داخل المغرب وخارجه بالعملة السهلة أو الصعبة؟ ولا يتم التدخل في حالة حادثة المحمدية التي يمكن وصفها بالحادثة الأكثر تراجيدية في تاريخ حوادث السير بالمغرب؟

اذا كان الملك شركة تأمين، فهذا ليس في علمنا، وبالتالي فالواجب يقتضي ان يتكفل بملايين المغاربة الذين حرموا من الحق في التأمين الصحي. أمام عجز نظام المساعدة الطبية "الرميد" عن حماية أغلبية الشعب المحروم من أبسط شروط الاستشفاء وتوفير"الحق في الصحة".

لقد بقي في خلدي الألم الذي يعتصر عائلات ضحايا حادثة المحمدية الذين لم يتصل بهم مسؤول. ولازالت تبعات الحادث ماثلة للعيان من خلال الجرحى والمعطوبين مدى الحياة والذين لم يلتفت اليهم أحدا.

فإن كان الملك شركة تأمين فدلونا على عنوانها، وإلا فالمطلوب إعطاء توضيحات حول معايير "العناية الملكية" ببعض أفراد أسر علية القوم. مع أن المؤسسات الصحية العمومية تحتضر وخدماتها في المستوى الصفر. وهناك مواطنون يتشنجون داخلها ويطالبون في لحظات غضب جنوني بلقاء محمد السادس.

لقد توضح جليا أن نظام المساعدة الطبية ما هو الا محاولة يائسة من الدولة للتهرب من مسؤوليتها في حماية حق دستوري يسمى"الحق في الصحة". وبالتالي فهذا النظام ما هو الا "ذر للرماد في العيون" وهو حل ترقيعي وليس حلا جذريا لمعضلة التأمين الصحي والتطبيب. وأهم شيء يمكن السهر عليه هو اخراج قانون حق التسجيل الفردي والشخصي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لذوي المهن الحرة وللأفراد الطبيعيين المشتغلين لحسابهم الخاص وشن حملة توعوية بأهمية التفكير في التقاعد بالنسبة للشباب النشيط العامل في المهن الحرة للحساب الخاص. وتسهيل مساطر التسجيل في الضمان الاجتماعي للعاملين في الجمعيات المدنية.

فقد قهر الشعب من شدة هضم حقوقه. ولم يعد يقو على الصراخ. فحذاري من الشر المستطير في قلوب المستضعفين في الأرض من معطلين وغلابة وفقراء ومساكيين وأميين ومظلومين تسحقهم يوميا منظومة الفساد الصحي في المستشفيات والمراكز الصحية "إن الله لا يحب الفساد" صدق الله العظيم.


اسماعيل طاهري

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: إسماعيل طاهري يكتب: الملك ليس شركة تأمين لعلية القوم Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top