14‏/06‏/2014

الدكتور محمد مراح: رحيل عالم المستقبل المبدئي المثقف الحر المهدي المنجرة = رأي

إنا لله وإنا إليه راجعون ، لله ما اعطى ولله ما أخذ ، ولنصبر ولنحتسب .
ولا حول ولا قوة إلا بالله ؛ فلو لم يكن دليل على مدى هوة تخلف الأمة إلا حالها مع أعلامها وعلمائها ومفكريها لكفى دليلا. لكن العجب ينقضى إذا تأملنا الموقف الاستقلالي للمرحوم الدكتور المنجرة ـ رحمه الله تعالى ـ ؛ فهو من الثلة القليلة التي جمعت بين فقه حقيقة عمق الواقع المعاصر ؛ في ثقافته ومذاهبه وفلسفته ، أي البعد النظري ، وقواعد وآليات إتخاذ القرار في المؤسسة السياسية الغربية المعاصرة . والفهم العميق لمُوجهات الأحداث اليومية على الساحة العالمية أي الجانب العملي الواقعي ،وجمع إليها شخصية المثقف الحر المنتمى للقواعد الحضارية الصلبة ، الضاربة في عمق تاريخ أمته وحضارتها .
لقد عمل الفقيد الكبير على توفير الخبرة المعرفية العميقة والمنهجية والابداعية لأمته ، وبرهن عمليا على أهم سمات الشخصية العلمية والفكرية النموذجية : استقلال الموقف – مواجهة ما يعتقد خطأه بصرامة الباحث والمثقف والمناضل الحر – الثبات على الموقف المعارض بصلابة وتحمل تبعاته مهما شقت وتعفنت – كشف الطغيان الدولي المعاصر كشفا علميا معرفيا وثقافيا رائعين ـ المُكث بين قومه مع الثبات والنضال والتحمل – تحويل الثقافة التخصصية إلى مادة ثقافية تنويرية إبداعية في متناول عموم القراء والمثقفين .
وتاريخ الرجل النضالي مُمتد في عمق الأحداث التي مرت بها أمتنا أذكر منها ؛ ماحدثنا به على مائدة عشاء في الجزائر العاصمة عام 1990 أثناء إنعقاد ندوة المستقبل الإسلامي ، عن نضاله في أروقة الأمم المتحدة إلى جانب شخصيات جزائرية ومن المغرب العربي ، في سبيل القضية الجزائرية (صورة من النضال المغربي المشترك ) .
كما يُعد الراحل الكبير صاحب نظرية ( الحرب الحضارية الأولى ) حين استعرت حرب الخليج واجتماع التحالف الدولي على العراق لتحطيم بارقة الأمل التي لاحت في سماء الأمة . فلم يعشُ بصره البعيد لهب المعركة ، ولا أزيز طيرانها المجرم المبيد ، ولا صواريخها اللاهبة في سماء الإباء والعزة ؛ فذهب إلى عمق المسألة من الحاضر إلى المستقبل بحاسته المستقبلية الدقيقة الاستشعار ، ففسر ما يقع على أنها (حرب حضارية ) من الغرب المتصهين ومعونة ذليلة بائسة من أذنابه ، على العالم الإسلامي الذي أخذت تتهيأ فيه بعض بوادر اليقضة والوعي بمستقبله .
ولسنا في حاجة لنباهة مميزة كي نقول إن ترسانة الأطروحات الفكرية والثقافية والسياسية والحضارية التي لفضتها بعدئذ مراكز التخطيط والتحليل الاستراتيجي الغربية ؛ مصانع تركيب وتسويق قرارات النواة الصلبية الخفية التي تمسك بالأمر كله في مراكز الغرب الحضاري : فقد صنعت وسوقت : النظام الدولي الجديد – العولمة – الحرب ضد الإرهاب – والخطر الأخضر – والرُهاب الإسلامي .، فهذه السلع مفردات الحرب الحضارية التي تنبأ بها المرحوم العالم المستقبلي الكبير المهدي المنجرة رحمه الله تعالى .
ولم يكن الفقيد من ذاك الفصيل الذي يعلى صرخاته النادبة لحظ الأمة التعيس ، ولا نعيَ الشؤم، ولا الباكي لحظها المنكود، بل كان من حاملي الرسالة الحضارية في أهم وجهيها وفق منطق العصر (المعرفي والتثقيفي ) ، فانسابت المجلات بمقالاته النفيسة في قضايا العلم والثقافة والتقانة ، وغيرها من قضايا تدفع بالأمة نحو مستقبلها الحضاري عن بينة وعلم ومنهج . فقد كان رغم المعاناة حامل أمل ، واثق مما في يديه من عُدة تحقيقه .
أذكر كما يذكر غيري حضوره المؤتمر المُشار إليه آنفا ، والحيوية التي أمتع به جلساته بأسلوب عرضه، وثوريته الحية ، وملاحظاته وآرائه الجريئة اللاذعة أحيانا ، ونقداته الدقيقة لأوضار الأمة ، ومظاهر تخلفها الرهيبة . فقد أحدث ضجات تجاوب واع مع طروحاته المهمازية عسى أن ينتفض جسم الأمة .
رحم الله الراحل الكبير الذي يصطف مع قمم هذه الأمة المعاصرين (المبدئيين ) ؛ الكواكبي ، والأفغاني، وإقبال ، ومحمد عبده ، وحسن البنا والمودودي وسيد قطب ، وابن باديس ، ومالك بن نبي ، وإسماعيل راجي الفاروقي ، وعلي شريعتي ، والشيخ محمد الغزالي ،وأضرابهم .
والسؤال الكبير الآن أين خلفاء هذا السلف العظيم ؟!!!

عن رأي اليوم
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: الدكتور محمد مراح: رحيل عالم المستقبل المبدئي المثقف الحر المهدي المنجرة = رأي Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top