لا يمكن تحقيق هذه النقلة النوعية إلا بتوفير الحقوق، كل الحقوق، لتكتلات الجسم التعليمي والثقافي المغربي بالخارج. وهذا قرار سياسي بامتياز، يظل مرتبطا بمدى إرادة الدولة المغربية في حل المعضلة التدبيرية - الإدارية من ناحية، وبمدى تأثير قوة ضغط مجموعة المدرسين على الحكومة في اتجاه اتخاذ هذا القرار من ناحية أخرى. ونظرا لهذه الوظيفة الاستراتيجية الحيوية التي يمكن أن تؤديها المجموعة، انخرط عدد كبير من المدرسين المغاربة بالخارج في هذه الدينامية، حيث تعاهدوا وتعهدوا بالعمل على صيانتها وتقويتها وتقويمها كلما استدعته الضرورة، وذلك سعيا وراء التأثير في صنع القرار الحكومي المغربي.




إن ما يشهده اليوم الجسم التعليمي المغربي بالخارج من تكتلات تنظيمية محلية ووطنية وقارية يعتبر بمثابة طفرة نوعية تاريخية قد تؤدي بالحكومة المغربية الحالية إلى اتخاذ قرار إعادة النظر في الكيفية التي يتم بها تدبير ملف تدريس اللغة العربية والثقافة المغربية بالخارج. تتغدى هذه الدينامية الوحدوية من الواقع المهني والاجتماعي المفجع للمدرسين المغاربة بأوروبا، وتتفاعل معه بشكل متصاعد وتدريجي حيث تنتشر وتتطور أينما تقوى الشعور بالظلم وتنمى الوعي بوحدة المصائر عند كل عضو من البعثات التعليمية والثقافية المغربية المعتمدة بالخارج.

جاءت هذه الحركية كرد فعل طبعي على القرارات الإدارية – التدبيرية الجائرة التي اتخذتها مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج في حق هذه الفئة من المدرسين. إنها قرارات عديمة الأساس من الناحية القانونية والشرعية ولا ترتكز على أي مقتضى تنظيمي يعرف، إلى درجة أنها صنفت في خانة التعسفات التنظيمية الاستثنائية التي لم يشهد لها التاريخ الإداري المغربي مثيلا، خلال أزيد من خمسين سنة من الاستقلال. إن هذه التجاوزات معيقة ومكلفة بشكل باهظ للمهنة ولممارسيها، مما أدى بأصحاب المصلحة إلى التدخل لإبداء رأيهم وشرح وجهة نظرهم في الموضوع، محاولين الدفاع عن مصالحهم بطرق فردية أولا، ثم جماعية ثانية.

توج هذا الحراك بانخراط جماعي في تكتل تنظيمي وازن أبت مجموعة من فعاليات المدرسين إلا أن تشكله من أجل الدفاع عن مصالح الكينونة التعليمية المغربية بالمهجر، وعند الاقتضاء ممارسة الضغط على السلطة العامة والخاصة المغربية بهدف الحصول على قرارات تخدم المصالح الإدارية والمالية والصحية والاجتماعية المتعلقة بالمهنة. هكذا تم التأسيس لما هو متعارف عليه اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا بمصطلح مجموعة الضغط.

ولكي يتحول حراك ميداني تلقائي إلى مجموعة ضغط يشترط فيه وجود علاقات ثابتة بين أعضاء الجماعة أي وجود تكتل أو تنظيم، وكذا وجود شعور جماعي يوحد أفراد المجموعة من أجل الدفاع عن حقوقهم. ويشترط في الجماعة الكفاءة والقدرة على ممارسة الضغط على السلطة العامة والخاصة لتحقيق مصالحها. ومن هذا المنطلق، تعتبر تكتلات الجسم التربوي المغربي بالخارج مجموعة ضغط.

ويرجع ظهور هذا التكتل إلى نوعية مشاكل المدرسين المغاربة بالخارج ودرجة حدتها وتعقيدها حيث استحال عليهم حلها بوسائلهم الخاصة المبنية على لغة المراسلات الإدارية واستعمال الترسانة القانونية التي تؤطر وضعيتهم الإدارية بالخارج. وتفاعلا مع تفاقم الأوضاع، تم الانتقال إلى مرحلة اللجوء إلى السلطات العامة لفك هذه المشكلة التدبيرية أو لطلب المساعدة على حلها. ويعزى التكتل، من ناحية أخرى، إلى عدم رضا الجسم التعليمي المغربي بالمهجر على طريقة تدبير أموره الإدارية وعلى تدهور أوضاعه المهنية داخل مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج. لعب هذا الشعور دورا هاما في الدفع بالمدرسين إلى اتخاذ قرار التكتل ضمن مجموعة متراصة بهدف الضغط على السلطات المغربية لإصدار قرارات جديدة في صالحهم.

هذا واختلفت وجهات نظر الدبلوماسية المغربية من حيث تقييم هذا التكتل، كما تزايدت التساؤلات حول طبيعته. أهو ظاهرة معيبة ودليل داخلي على تواجد الفساد السياسي والإداري بالبلد؟ أم أنه ظاهرة إيجابية تدل على ازدهار الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلد؟ هل المجموعة قوة مواجهة تنشر الغسيل على الساحة الأوروبية بهدف التأثير على صانعي القرار الوطني؟ أم هي ظاهرة ديمقراطية تبرهن على قناعة المغرب الراسخة بأن الديمقراطية الحقيقية لا تضع عقبات أمام القوى المغربية الحية؟ هل المجموعة قوة تهديد تنشط دون المراعاة لسمعة البلد ضمن الرقعة السياسية الدولية؟ أم هي قوة مدنية تناضل من أجل ضمان مكانة ومصداقية المغرب ضمن المجتمع الديمقراطي الدولي؟ هل المجموعة ذات طابع سياسي أو اقتصادي؟ أم هي ذات خاصية اجتماعية أو مهنية؟

وفي جميع الحالات، تعد التكتلات من الناحية القانونية حقا مضمونا دستوريا، ومن الناحية النضالية ردا ميدانيا سليما على مجموعة من التجاوزات والخروقات قد تشكل تراجعا سافرا في المسار الديمقراطي المغربي، باعتبار الديمقراطية تقوم على أساسات العدل والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان. ففي نظر القوى الدمقراطية العالمية عامة والمغربية خاصة، تشكل التكتلات ظاهرة اجتماعية صحية من شأنها الإسهام بشكل فعال في ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، أو بعبارة أخرى مساعدة الحكومة المغربية على تنزيل الدستور الجديد على أرض الواقع.

مبادرة ابتكار وسيلة قانونية يفصح من خلالها المدرسون عن آرائهم في تدبير ملفهم فكرة لا تتعارض مبدئيا مع الديمقراطية من حيث الجوهر، لذا وجب تأطيرها في تنظيم قانوني يرتب وينسق النشاط حتى لا تحدث تجاذبات أو مناوشات في الحياة النضالية للمدرسين. إضفاء صبغة تنظيمية وقانونية على التكتل المهني للمدرسين أصبح ضرورة حتمية قد تدفع بالدولة المغربية في اتجاه أخذ قرار الاعتراف رسميا بالمجموعة ومساعدتها على ممارسة نشاطها في التعبير والدفاع عن مصالحها المختلفة بكيفية مهنية فاعلة وفعالة. الحل الأمثل هو دعمها ماديا ومعنويا من طرف السلطات المغربية لتزاول مهامها في العلانية، وفي إطارات مقننة ومتعرف بها وطنيا ودوليا.

نرى في تأسيس هذه المجموعة بوادر خير بالنسبة للمغرب عامة وللدبلوماسية المغربية على وجه الخصوص، حيث يمكن توظيفها للدفاع عن القضايا الوطنية والمصالح العليا للبلاد، في إطار ما يسمى بالدبلوماسية الموازية. وذلك باعتبار المجموعة أصلا تنظيما مغربيا مواطنا ووطنيا قبل أن يكون مهنيا وفئويا.

ولتحقيق هذه الأهداف، يتحتم على الدولة المغربية مساعدة المجموعة على الخروج من مرحلتها الفيسيولوجية - الفطرية التي ترتكز أساسا على المطالبة بتفعيل الحقوق الأولية والضرورية لبقاء الجسم، لكي تنتقل إلى المرحلة المقبلة: مرحلة الابتكار وتحقيق الذات، مرحلة الدبلوماسية الثقافية التي تعتبر الدفاع عن مصالح الوطن أولوية الأولويات.