09‏/02‏/2024

نص : المستلبة ، بقلم الأستاذة حياة الدخيسي


كنت أراك و لا أراك..و أنت تهشم علبة سجائري،تستحلفني أنوثتي،تمدني بطوق نجاة ينتشلني من بئر تأملاتي،تهددني بالجنون بالحمق...

آه يا صاحبي..لو تدري الأشياء التي تؤرقني،لقمت معي و متنا لها إجلالا..هي قد لا تعني لك شيئا،لكنها تلفني ككفن..سكرات الحياة أقسى،قضى فيها شغفي..كلما رأيتهم ينصبون تمثالا للتفاهة،التفت للجهة الأخرى بحثا عن مخربين إبراهيميين،لأتفاجأ بجمهور من العاكفين يشترون المؤخرات بالعقول..فأتساءل أنت و أنا و هم..من ؟ نحن فقط من لم نمت بعد..و مات الإنسان..الإنسان مات..فأطفئ مصباحك يا ديوجين و سلم سلامات.. هكذا أندثر.. و يقع فتق بداخلي بين جسد يتجمل و نفس تتأمل..أتساءل من اقتلع أمي الشجرة ! أحتاج أن أتداعى لها و أعود إلى طفولتي عبر عروقها..فأنا لا أنتمي إلى هنا..حيث حولنا علاقتنا بالطبيعة إلى مجرد صور جامدة نقذفها في سلة مهملات أعين الناس..فما عاد هناك عشق للورد،و لا وشوشة بحار,و لا مناجاة نجوم..حتى التربة فينا أصبحت غير صالحة عندما غزتها الآلة..عققنا الطبيعة فعقتنا..فما عاد الغراب يهمه مواراة سوأتنا..و لا الماء يحيينا..و لا جبل أحد يحبنا..

لا حبيبي لست مصابة بداء الكآبة و لا الهلوسة..الداء أن تكون سليما و الكون يهتز من تحت قدميك في غضبة استثنائية..و التاريخ يتقدم نحو الهاوية..فما تحقق الروح المطلق لهيجل..و لا العدالة الاجتماعية لماركس..

الداء أن أكون سليمة،و أطفال غزة بلا ذنب يموتون..كل ليلة يقفون بدمائهم عند رأسي المثقل بالهواجس،يسلمونني رسالة حزن من أمنا هاجر و يرحلون،فلا أستقيم بعدها و لا أكون..كيف أصبحنا نشبه شجر الغرقد كيف ؟! كيف أصبحنا نتطلع على أخبار ضحايا غزة كأرقام تشبه أرقام البورصة ثم نمضي إلى قنوات الرفث و الغناء ..

لست ضد الغناء و لا الجمال و لا الرقص..و لكني أشعر بهم يرقصون فوق قبري..فأستودعهم زينتي،ضحكاتي،رقصاتي..و أمضي حيث تلتف الساق بالساق..كلما رأيتك ترسم مستقبلنا بألوان وردية..تستطلع ملامحي لعلك تجد المبالاة،احترت كيف أخبرك أني أنا..أضرب موعدا مع الزلازل،مع الوباء،مع الهلاك..فلا الألوان عادت تغريني،و لا المال يفتنني..تسألني عن الحب ! ألم تتساءل يوما كيف تحول حب زليخة الأعظم و بعد عمر من الشوق تستأذن الحبيب لتخلو بالذات و تتأمل...!!

أ لم تتساءل حول كلب بافلوف..لماذا لم تعد تغريه الملذات و كيف حصل له الكف !

أ لم تتساءل كيف اختار "برونو" أن يموت هو و تحيى أفكاره..

أنا يا صاحب الورد و السعادة..مت مكانيا..رحلت مع أسنان الحليب..و مع كل ما يشبه أسنان الحليب ..فلا تنتظرني..الذي أخذني أقوى منك و مني..










  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: نص : المستلبة ، بقلم الأستاذة حياة الدخيسي Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top