17‏/04‏/2016

اغتيال معطل بكلميم ..وصمة عار في جبين حكام المغرب

صيكا يرقد في مستشفى أكادير

عندما نسمع في المغرب بدخول مجاز معطل في إضراب عن الطعام. نعرف جيدا أي جرح اعتمل في المجتمع المغربي منذ عقدين ونيف. المعطل إبراهيم صيكا فارق الحياة اي مات والسبب هو عجز الدولة عن تنفيذ بنود الدستور المتعلقة بالحقوق الاساسية حق الشغل حق ممارسة الحريات العامة وثالثا الحق في الحياة.
ستخرج الداخلية ببلاغاتها المشروخة حول الحيثيات والتشريح. والتاريخ لن يصدق أكاذيبها. وبهذا المعنى فهو شهيد ورحيله اغتيال سياسي واجتماعي واقتصادي ووجودي لكل الكائنات البشرية من عشرات الآلاف من المجازين المعطلين في المغرب منذ1993 .
وما نطالب به هو فتح تحقيق نزيه وشفاف ومحايد، والضرب بيد من حديد على من ثبت تورطه في هذه الجريمة النكراء.
فدفع معطل مجاز الى الاضراب عن الطعام والهجوم قبل ذلك على مسكن أمه الذي يأويه ويأوي شهادته الجامعية وبحثه الجامعي وصور اللقاءات العلمية التي حضرها في بهو الجامعة وكلياتها المتعددة التخصصات والمواد وعبث رجال الأمن بأحذيتهم الغليظة على منزل منزو في زاوية محشورة في زنقة بئيسة في مدينة إسمها كلميم هي باب الصحراء. فكل ذلك يؤشر على حجم الخسارة وتداعيات الحدث. وما جرى يعتبر قرينة أخرى على ادانة الحكام وتورطهم المباشر في الجريمة باختلاف التراتبيات والمسؤوليات.
اليس ما جرى وقود لحمل شعارات متطرفة وعدمية اليس وقودا لانتاج التطرف بمختلف اشكاله وأنواعه.؟
الحقوقيون يقولون روايات والسلطات تقول روايات والمشترك بينهم هو ان المعطل الشهيد لم يشغل من طرف الدولة ووجد نفسه قضى نصف عمره في البطالة وهو الواقف الشامخ كالجبل ينطح رأسه السماء وأنفه ينافح أشعة الشمس أينما أشرقت وحالما أغربت. فلم يكن له من بد من النضال وفي الطريق الى النضال تم اقتياده بالتعذيب الى مخفر مظلم وأحيل على السجن بعد الادانة في محاكمة صورية غير عادلة واضطر مرة أخرى الى الدخول في إضراب عن الطعام احتجاجا على ظروف اعتقاله وفي النهاية حدثت المأساة. 
ومن هذا المنبر نطالب بتشغيل هذا المعطل الشهيد عبر اعتباره من مكفولي الأمة، وعلى القاضي الذي قد يأتي أو لا يأتي أن يكون منصفا لهذ المعطل الشهيد وعائلته اذا اتى يوما.
في مصر يوجد أكثر من ستة ملايين موظف لثمانين مليون. وفي المغرب حوالي مليون موظف لأربعين مليون نسمة، ولا يمكننا ان نقيس على فرنسا أو ألمانيا والدولة المحتكرة للسلطة والثروة تتحدث كل مساء عن الوظيفة العمومية كجرم على عامة الشعب تفاديه وعدم التفكير فيه فهو ممنوع ويهدد التوازنات المالية الماكرواقتصادية. وفي الصباح تأتي كل الجرائد لتتحدث عن حاجة المغرب الماسة الى وظائف جديدة في التعليم والصحة وكل القطاعات الحكومية تعاني خصاصا مهولا وهذا الخصاص هو جزء من أزمة القطاعات الحكومية وعدم قدرتها على تحسين مناخ الاستثمار والحد من الامراض والهدر المدرسي وهي التي تساهم في القذف بترتيب المغرب في مجال التنمية البشرية الى آخر القائمة.
والإعلام الرسمي يتحدث كل وقت وحين عن المخططات الجهنمية للتسريع الصناعي والالفية الفلاحية والطاقات المتجددة والمغرب الاخضر والازرق والرقمي والمشارع الكبرى والملايير المشتتة في التهيئة الحضرية والعالم القروي.. وفي آخر السنة معدل النمو لايتجاوز نقطتين وعدد مناصب الشغل ينقص بدل أن يرتفع لأن عدد الفاقدين للشغل أكبر من عدد الحاصلين على وظائف جديدة. والعملة تهرب الى الخارج ووثائق البنما هي الحجة الدامغة.
وعندما يذهب المعطلون الى الجرائد للبحث عن عمل يجدون اعلانات مدفوعة بالملايين لمباريات للترشح لعمادة الكلية الفلانية او رئاسة جامعة او كاتب عام لادارة كبيرة ومباريات الوظائف في المقاولات العمومية الألف أو التوظيف في القطاعات الحكومية الأربعين فلا وجود لها.
ألم يصبح جيل بكامله خارج التاريخ، خارج دورة الإنتاج، بعد ان فرضت عليه البطالة وضاع مستقبله في مهن صغيرة مهينة تحرق الوقت والجهد وبلا فائض قيمة من مهام رجال الامن الخاص الى حراسة السيارات والعمارات والتنظيف وشفط الدهون في مطابخ عائلات المسيطرين على الوضع ومستعبدين في مهن السخرة في الفنادق والمقاهي والملاهي والبارات ومواقف السيارات في الحارات.
أيها المجرمون الذين يحملون المعطلين على الموت البطيئ ومنهم من انتحر ومنهم من ينتظر.. التاريخ لن يرحمكم وسيأتي اليوم الذي تساقون فيه الى المحاكمات وتجزون به بما عملتم وأنتم العالمون أن كل الخروقات والتجاوزات مسجلة في سجلات الدولة السرية والعلنية وعندما ستكشف هذه السجلات حين تحل الديمقراطية أو الثورة بهذه البلاد ستلاقون الحساب العسير. لقد فوت الشغب المغربي فرصة الربيع العربي لفرض تغيير حقيقي، ولكن بذور الاحتقان لازالت قائمة والظلم لازال قائما واستمرار مظاهر التحكم في الانتخابات والخريطة السياسية واستمرار اقتصاد الريع. ولم تتعظوا من شرعية الدعوات الى الديمقراطية وفتح الحكم والتقليص التدريجي من التحكم في المشهد السياسي والاقتصادي ولكن التاريخ لن يرحم أحد لم يقرأه جيدا. فالمغرب اليوم بين خيارين إما الديمقراطية أو الثورة، فلا يمكنه البقاء في بين البين الى ما لا نهاية لاهو ديمقراطية ولا هو ديكتاتورية.
هل يعقل ان يستمر في المغرب وضع المعطلين ذوي الشهادات العليا الى ما لا نهاية وهم غير قادرين ثقافيا على الاندماج في ثقافة الريع والرشوة والانتهازية ولا يفكر أغلبهم في توظيف مهاراتهم العلمية ضد المجتمع. وتحول الكثير منهم الى مناضلين وأطر نقابية وسياسية عالية المستوى ولم يبق في جيبهم غير ضميرهم وسيجارة مركيز لازالوا يصرون على حرق صدورهم بها تخفيفا او هروبا من المعاناة اليومية. فكيف يعيش كائن حي اسمه الانسان في هذا المجتمع. وهو في اعلى درجات التحصيل والتكوين العلمي وفي الوقت ذاته بدون معيل وجهد تفكيره اليومي كيف وأين يأكل وينام.؟ إنها مفارقة عجيبةز وأنا استغرب كيف يحافظون على سلامة عقولهم طيلة هذه السنوات من الانتظار والمأساة.
وهذا المعطل الشهيد في كلميم نموذج حي لهذه المأساة التي فرضت فرضا على أجيال محترقة بنار البطالة منذ سنوات طويلة والخطير أنها استفحلت بعد حكومة التناوب التي ترأسها عبد الرحمان اليوسفي منذ 1998.

بقلم: رئيس التحرير اسماعيل طاهري
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: اغتيال معطل بكلميم ..وصمة عار في جبين حكام المغرب Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top