09‏/10‏/2012

إيلاف تكتب عن رواية الطاهر بنجلون الجديدة السعادة الزوجية


رواية تكسر «الكليشيهات»:بن جلون.. المرأة خارج جحيم «السعادة الزوجية»

القبس الكويتيا
 انديرا مطر- بيروت 


يحرص الطاهر بن جلون على تفخيخ روايته الجديدة «السعادة الزوجية» الصادرة حديثاً عن دار غاليمار الفرنسية بالسخرية. يتيح له استخدام السخرية ممارسة انتقام ماكر من كل ما هو مستهلك، حيث أن عنوان «السعادة الزوجية» يصلح أن يكون ملصقاً لفيلم عربي.
يتنازع في هذه الرواية صوتان «الصوت المذكر والصوت المؤنث» ولكل منهما لحظة انطلاقته الخاصة، فالرجل يبرز صوته في اللحظة التي يصبح فيها عاجزاً. خطابه ليس سوى وثيقة ادانة للمرأة، بينما تنطق المرأة في لحظة اكتشافها لتلك الوثيقة. التقسيم الجائر في الرواية للمساحة التي يفردها الكاتب للصوت المذكر على حساب الصوت الأنثوي تبرز طبيعة السلطات التي تشكل الخطاب والتي لا تزال ذكورية في أصولها.
يتناول بن جلون قصة مخيبة حول موضوع الثنائي والسعادة الزوجية. يقدمها في نسختين: رواية الرجل وهو فنان فرنسي من أصل مغربي محاط بالمجد، مما يوحي بأنه انعكاس لشخصية الكاتب نفسه، نظراً لتطابق العديد من المواصفات بين الرجلين (العمر والأصل والوسط الاجتماعي)، ورواية الزوجة التي يصبغ خبثها الرواية بألوان سوء الفهم المتبادل والصعوبات العلائقية. يخيل الينا أننا في حضرة رواية تحيا في ظلال أفكار ثورة 1968 التي كان شجب الزواج أبرز عناوينها. يتابع بن جلون هذا السياق في الحاضر من خلال سرد يحشد فيه كل التفاصيل البشعة التي لا يتعفف أي من الطرفين في استخدامها في حربه ضد الطرف الآخر راسماً بذلك صورة نموذجية زاخرة بالسخرية السوداء من المؤسسة الزوجية كما يراها.
عزلة الفنان
تأخذنا الرواية الى عام 2000 في الدار البيضاء. حيث يعيش فولان الذي يسميه الكاتب غالباً «الرسام». هو فنان الأثرياء والمشاهير ومنزله القديم أشبه بقصر وأعماله تباع بمئات آلاف الدولارات.
يتعرض الرسام وهو في ذروة شهرته الى جلطة دماغية يكون لها آثار دراماتيكية، تسمره على كرسي متحرك، وتتركه شبه مشلول، عاجزاً عن الإمساك بالفرشاة وممارسة أي نشاط.
تخلى عنه معظم أصدقائه، ولم يخف الرسامون شماتتهم. كان على الفنان ان يعتاد فكرة ان اتمام أبسط حاجاته اليومية يتسبب بألم فظيع. استطاع استعادة بعض قدراته والسيطرة الجزئية على عجزه بفضل المساعدات والعلاجات. السكتة كانت قد أصابته إثر شجار عنيف مع زوجته الشابة فأعاد النظر في حياته واكتشف ان زوجته التي عاش معها كانت كائناً غريباً بالنسبة إليه، كما كان هو مخلوقاً غريباً بالنسبة اليها.
أزمة التواصل التي يعيشها الكثير من الأزواج في عصرنا الحديث تدفع بهم الى مصير مشابه لهذا الثنائي البائس، يضاف اليها صراع الطبقات والاختلاف في الثقافات مما يجعل الازواج يعيشون في عوالم متوازية لا تلتقي خطوطها أبدا.
السرد بالنسبة للزوج هو بمكانة انتقام وعلاج ومحاولة للنجاة من دوامة الاكتئاب، لذا قرر أن يفتح لنا الصندوق الأسود الذي كان يخفي فيه سيرة جحيمه الزوجي..
لائحتا اتهام
بعد عامين من حياة مشتركة سادها الوئام المسمى «السعادة الزوجية» وقع الزوجان في هاوية اللاتفاهم. بلهجة تتوسل الإقناع، يقدم الرسام نفسه في دور ضحية زوجة تسيطر عليها الغيرة المجنونة والتهور. يبرر بطل الرواية خياناته بوصفها وسيلة للحصول على حنان لم توفره له زوجته. مما خلا فترات الهدوء النادرة كان هذا الزواج يتخذ شكل صراع يتصعد تدريجياً الى حقد وكراهية متبادلين.
تعقب الرواية الأولى المعتمدة على وجهة نظر الرسام والتي وقعت في يد الزوجة، رواية أقصر تقوم هي بتأليفها، تفند فيها نقطة بنقطة اتهامات زوجها، لنجد أنفسنا أمام لائحتي اتهام مما يضع القارئ في دور القاضي.
«هي» كما يراها
ممرضتان تسعفانه اسماهما «التوأم»، وزوجة جميلة تركته واختارت جناحاً في الفيلّلا الفسيحة بعيدا عنه. كان لديه كل الوقت لإعادة صياغة ما يشكل في الواقع جحيمه الزوجي. يؤكد في البداية أنه أحب بجنون تلك المرأة التي أصبحت فيما بعد زوجته.
لا اسم لها. تحضر في سرده بوصفها «هي». عائلته لم تعط موافقتها على هذا الزواج فهو سليل عائلة بورجوازية من مدينة «فاس» وهي ابنة عامل مهاجر مغربي مقيم في فرنسا.
النزاعات مع «هي» التي خانها مراراً، بدأت من «أتفه» الأشياء .الخناقة الأولى افتعلت بسبب شرشف المائدة المطرز. لم يكن ممكناً تفادي التصعيد خصوصا بعد إنجابهما لابنين اثنين. بدأت الخلافات والخصومات بينهما تنفجر وبرز اختلافهما في الطبائع والأمزجة وصارت الحياة بمرور الأيام بينهما جحيماً، واتسعت الهوة. لم تعد بالنسبة اليه سوى تلك الجاهلة، الجشعة والمتسلطة.
جمالية المرارة
رواية «السعادة الزوجية» مكتوبة بأسلوب بسيط جعل الكاتب الفرنسي المغربي واحداً من اكثر الكتاب ترجمة في العالم، وهي خارجة من إطار الكليشيهات.
حرص الكاتب على توظيف مراجع سينمائية غربية في روايته على شكل تعليقات واستشهادات على أفلام سينمائية فحضر لويس بونيويل ودوغلاس سيرك وجان رونوار وجورج ستيفنس وإيليا كازان وبيلي وايلدر في جميع فصول القسم الأول من الرواية مما منحها قدرة الافلات من تقنيات السرد التعاقبي واللجوء الى قفزات في الأزمنة والأمكنة، وفي بعض الاحيان يبدو السرد وكأنه خضع لعملية مونتاج متقنة بحيث ترد التفاصيل متوازية ومتناسقة لتشكل الحدث/المشهد.
لم تكتب هذه الرواية الكبيرة التي تدور حول صوت داخلي بصيغة الضمير المفرد (أنا) على الرغم من انها مكتوبة بصيغة مذكرات يسرد فيها البطلان يومياتهما الحميمة. هنا تكمن الحنكة الروائية اذ يستدرجنا الروائي من خلال تجميد الرجل في كرسي متحرك الى شبه انتصار للمرأة في الجزء الأخير من روايته.
اسمها «أمينة»
رد أمينة جاء عبر نفضها لغبار الأوهام وخروجها من كونها «هي»، امتلكت اسمها وصارت أمينة. أمينة تصر على الكلام رغم اقتناعها أن الناس سيصدقونه «هو». تجدر الإشارة الى ان الكاتب افرد لها صفحات أقل بكثير مما أفرده للرجل. تقول «كنت مختصرة ومباشرة». هذا الاختصار أراد الطاهر بن جلون منحه إغواءً يتفوق من خلاله على غزارة خطاب الرجل وهو اغواء التمرد والجموح.

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك
التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

Item Reviewed: إيلاف تكتب عن رواية الطاهر بنجلون الجديدة السعادة الزوجية Rating: 5 Reviewed By: جريدة من المغرب. smailtahiri9@gmail.com
Scroll to Top